واسمع آيات التفويض، وهي طاقات هائلة ومبادئ راسخة يجب علينا أن نحملها، وأن نقدم جماجمنا من أجلها، ومن عرفها وحفظها يخرج من هذا المكان شجاعاً يتحدى الدهر والزمن والتاريخ.
قال تعالى:{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}[الزمر:٣٦] وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[الأنفال:٦٤]؛ والمعنى: أن الله يكفيك ويكفي من اتبعك من المؤمنين، وليس المعنى كما قال بعض المبتدعة: الله يكفيك ويكفيك المؤمنون مع الله، فهذا خطأ، بل معنى الآية: أن الله يكفيك ويكفي من اتبعك من المؤمنين، لا الذين اتبعك من المؤمنين يكفونك مع الله، فهذا معنى خاطئ.
فاتصل بالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وفوض أمره إلى الله، وبدأ يدعو الناس، فقامت له القرابة:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضةً على النفس من وقع الحسام المهند
قام له أبو لهب يكذبه أمام العرب، ويقول: انتبهوا للساحر وللشاعر وللكاهن، وفي حديث معضل يذكره ابن إسحاق في السيرة:{أن الرسول صلى الله عليه وسلم -يشكو إلى الله- يقول: اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، أنت رب المستضعفين، إلى من تكلني؟! إلى قريبٍ ملكته أمري، أم إلى بعيد يتجهمني} أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
فشكا من ظلم القريب؛ لأنه ظلم وزيادة، ولأنه قطع للقرابة.
وانظر إلى المواقف، فالله قادر على نصر رسوله عليه الصلاة والسلام، وقادر على أن يمنع عنه الأذى، ولكن هكذا يمرغ الحق أحياناً ليخرج حقاً، وهكذا يصاب الداعية ليخرج ذهباً أحمر، كما قال بشر الحافي:"دخل الإمام أحمد السجن ذهباً فخرج ذهباً أحمر" وهذا أمر معلوم.