وإذا كانت المؤسسات الأخرى الأقل شأنا، والأرخص سعرا، كالمؤسسات المالية والصناعية والتجارية، وما إليها .. لا يوكل أمرها- عادة- إلا لأكفاء المرشحين لها، ممن تخصصوا في هذا الفرع علميا، ودربوا عليه عمليا، فوق ما وهبوا من استعدادات طبيعية للإدارة والقوامة ...
إذا كان هذا هو الشأن في المؤسسات الأقل شأنا والأرخص سعرا ... فأولى أن تتبع هذه القاعدة في مؤسسة الأسرة، التي تنشئ أثمن عناصر الكون .. العنصر الإنساني ..
والمنهج الرباني يراعي هذا. ويراعي به الفطرة، والاستعدادات الموهوبة لشطري النفس لأداء الوظائف المنوطة بكل منهما وفق هذه الاستعدادات، كما يراعي به العدالة في توزيع الأعباء على شطري النفس الواحدة. والعدالة في اختصاص كل منهما بنوع الأعباء المهيأ لها، المعان عليها من فطرته واستعداداته المتميزة المتفردة ..
والمسلم به ابتداء أن الرجل والمرأة كلاهما من خلق الله. وأن الله- سبحانه- لا يريد أن يظلم أحدا من خلقه، وهو يهيئه ويعده لوظيفة خاصة، ويمنحه الاستعدادات اللازمة لإحسان هذه الوظيفة!
وقد خلق الله الناس ذكرا وأنثى .. زوجين على أساس القاعدة الكلية في بناء هذا الكون .. وجعل من وظائف المرأة أن تحمل، وتضع، وترضع، وتكفل ثمرة الاتصال بينها وبين الرجل .. وهي وظائف ضخمة أولا، وخطيرة ثانيا. وليست هينة ولا يسيرة، بحيث تؤدى بدون إعداد عضوي ونفسي وعقلي عميق غائر في كيان الأنثى: فكان عدلا كذلك أن ينوط بالشطر الثاني- الرجل- توفير الحاجات الضرورية، وتوفير الحماية كذلك للأنثى؛ كي تتفرغ لوظيفتها الخطيرة؛ ولا يحمل عليها أن تحمل وتضع وترضع وتكفل .. ثم تعمل وتكد وتسهر لحماية نفسها وطفلها في آن واحد. وكان عدلا كذلك أن يمنح الرجل من الخصائص في تكوينه العضوي والعصبي
والعقلي والنفسي ما يعينه على أداء وظائفه هذه. وأن تمنح المرأة في تكوينها العضوي والعصبي والعقلي والنفسي ما يعينها على أداء وظيفتها تلك. وكان هذا فعلا .. ولا يظلم ربك أحدا .. ومن ثم زودت المرأة- فيما زودت به من الخصائص- بالرقة والعطف، وسرعة الانفعال، والاستجابة العاجلة لمطالب الطفولة- بغير وعي