نظام كفري فإنه لا تدخل طاعته في قوله تعالى: وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ولكن سلطان القانون يطالبه فهو مضطر للطاعة الإجبارية، والذي نستطيع أن نفتي به هو أن الطاعة الاختيارية في هذه الحالة تكون للعلماء الربانيين فهم وراث النبوة. وعلى مثل هذا نستطيع أن نحمل حملا مباشرا كلام ابن عباس في تفسير: أولي الأمر بأنهم العلماء الفقهاء ويشهد لما ذكرناه بعض روايات حديث حذيفة «كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وأسأله عن الشر مخافة أن يدركني» فهذا الحديث أصل عظيم في الفتوى فيما يكون بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي بعض روايات أبي داود لهذا الحديث ما يلي:
«قلت يا رسول الله ثم ماذا؟ قال: إن كان لله خليفة في الأرض فضرب ظهرك وأخذ مالك فأطعه وإلا فمت وأنت عاض بجذل شجرة»، وفى رواية أخرى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكرر أمرا ثلاث مرات، في كل مرحلة تمر، هذا الأمر هو:
«تعلم كتاب الله واتبع ما فيه»، وفي هذا إشارة إلى التلمذة على الربانيين قال تعالى:
وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ فتعلم كتاب الله يقتضي أخذا عن الربانيين فكأن الحديث يشير إلى ما ذكرناه: أن الطاعة الاختيارية في حالة فقدان الخلافة إنما تكون لوراث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وكما قلنا فليس كلامنا في الطاعة المفروضة بسلطان النظام والقانون، وفي حديث حذيفة ما يدل على أن التلمذة على الربانيين هي الأساس حتى في حالة وجود الخلافة الظالمة، فما بعد الخلافة الراشدة الأصل أن تعطى الطاعة الإجبارية للخلافة وأن تعطى الطاعة الاختيارية لوراث الأنبياء.
٤ - وفي سبب نزول الآية يروي ابن جرير، وابن مردويه وغيرهما ما يلي:
«بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية عليها خالد بن الوليد، وفيها عمار بن ياسر، فساروا قبل القوم الذين يريدون. فلما بلغوا قريبا منهم، عرسوا، وأتاهم ذو العيينتين، فأخبرهم، فأصبحوا وقد هربوا، غير رجل أمر أهله. فجمعوا متاعهم، ثم أقبل يمشي في ظلمة الليل، حتى أتى عسكر خالد، فسأل عن عمار بن ياسر، فأتاه، فقال: يا أبا اليقظان: إني قد أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وإن قومي لما سمعوا بكم هربوا، وإني بقيت، فهل إسلامي نافعي غدا، وإلا هربت؟ قال عمار: بل هو ينفعك فأقم، فأقام فلما أصبحوا أغار خالد، فلم يجد أحدا غير الرجل، فأخذه، وأخذ ماله. فبلغ عمارا الخبر، فأتى خالدا فقال: خل عن الرجل، فإنه قد أسلم، وإنه في أمان مني. فقال خالد: وفيم أنت تجير؟ فاستبا، وارتفعا إلى النبي