للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شكره، الوقوف على الحق، وترك الدفاع عن الباطل وأهله. والصلة واضحة بين بداية المجموعة المطالبة بالحكم بالقرآن، والنهي عن الجدال عن الخائنين، وبين نهايتها المتحدثة عن نعمة الله على رسوله صلى الله عليه وسلم بتعليم القرآن.

وفي إطار السورة، وفي سياق هذا المقطع الذي يبين صورا من العدل والحق، في إطار العبادة والتقوى، يحدد الله- عزّ وجل- إطار الخير في أحاديث الناس بعضهم مع بعض، وهو مظهر من مظاهر العبادة والتقوى عظيم. فبين أن الحديث الخير هو ما كان أمرا بصدقة، أو أمرا بمعروف: وهو الحق والعدل، أو كان إصلاحا بين الناس. ثم بين الله أن من يفعل ذلك، مبتغيا وجه الله، مخلصا لله فيه، فإن له أجره العظيم عند الله.

دل ذلك على أن توجيه الكلام في هذه الدائرة، من أعظم أنواع العبادة، ومن ألصق آثار التقوى. ثم يقرر الله- عزّ وجل- حقيقة مرتبطة بقضية الحق والعدل، هذه القضية هي أن ما شرعه الله حق، وما أجمعت عليه الأمة الإسلامية حق، ومخالفة هذا الحق يستحق به صاحبه العذاب الأليم، وارتباط هذه القضية بموضوع السياق الخاص والعام، والجزئي، والكلي واضح. إن من سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم، أو سلك غير الطريق الذي اجتمعت عليه الأمة المحمدية فيما علم اتفاقهم عليه تحقيقا، فإنه قد تضمنت لهم العصمة- في اجتماعهم من الخطأ؛ تشريفا لهم وتعظيما لنبيهم، فمن سلك طريق الشقاق لهذا، أو لهذا، يجازيه الله على ذلك باستدراجه في الدنيا، ويجعل النار مصيره في الآخرة. لأن من خرج عن الهدى، لم يكن له طريق إلا إلى النار يوم القيامة؛ لمخالفته الحق الذي لا يزيغ عنه إلا هالك. ولما كان رأس الانحراف عن الحق سببه الشرك واتباع الشيطان، فقد جاءت الآيات اللاحقة تبين هذه القضية مقررة: أن الذنب الذي لا يغفره الله هو الشرك، وأن ما دونه يمكن أن يغفره وأن الذي يشرك بالله، قد سلك غير الطريق الحق، وضل عن الهدى، وبعد عن الصواب، وأهلك نفسه وخسرها في الدنيا والآخرة، وفاتته سعادة الدنيا والآخرة. ثم بين الله- عزّ وجل- حال هؤلاء المشركين، محقرا إياه، وأنهم ما يعبدون إلا إناثا كالأحجار، ومظاهر من هذا الكون والطبيعة، وأنهم ما يعبدون في شركهم إلا الشيطان المتمرد على الله، إذ هو الذي يأمرهم بذلك، ويحسنه ويزينه لهم، وهو الملعون المطرود، المبعد من رحمة الله، وعن جواره، وهو الذي أخذ على عاتقه أن يضل قسما معينا، مقدرا معلوما من الناس، من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون، يضلهم عن الحق، ويزين لهم ترك التوبة ويعدهم الأماني، ويأمرهم

<<  <  ج: ص:  >  >>