سيدخلهم الجنة، ولا يظلمهم من حسناتهم ولا مقدار النقير، وهو: النقرة، التي في ظهر نواة التمر.
ثم بين الله- عزّ وجل- أنه لا أحسن دينا ممن اجتمع له إخلاص العمل لربه فعمل إيمانا واحتسابا، متبعا في العمل لما شرعه الله، وما أرسل به رسوله من الهدى ودين الحق. وهذان الشرطان لا يصح عمل عامل بدونهما، أن يكون العمل خالصا وصوابا. والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون متابعا للشريعة، فيصح ظاهر العبد بالمتابعة، وباطنه بالإخلاص. فمتى فقد العمل أحد هذين الشرطين فسد. فمتى فقد الإخلاص كان منافقا، وهم الذين يراءون الناس، ومتى فقد المتابعة كان ضالا جاهلا، ومن جمعهما كان من المؤمنين الذين لا أحسن دينا منهم، فهم مخلصون محسنون، وهم متبعون لملة إبراهيم، المائل عن كل شرك إلى التوحيد الخالص، ومن ثم اتخذه
الله خليلا، ثم بين الله- عزّ وجل- أن ما في السموات والأرض ملكه وعبيده وخلقه، وهو المتصرف في جميع ذلك، لا راد لما قضى، ولا معقب لما حكم، ولا يسأل عما يفعل؛ لعظمته وقدرته؛ وعدله وحكمته، ولطفه ورحمته. وأن علمه نافذ في جميع ذلك، لا تخفى عليه خافية من عباده، ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، فهو المحيط بكل شئ، وتقرير هذه المعاني في سياق الأمر بالحق والعدل، وفي السياق الذي يربي على العبادة والتقوى، والإيمان، والعمل الصالح، لا يغيب عن الحاذق الفهم، فليس الحق دعوى، وإنما هو عمل، وليس ميزان الله بخس، ولكنه ميزان عدل، وميزان دقيق، وليس شأن الله قليلا، حتى يهمل أمره أو يعصى أو يطاع غيره في غير طاعته، فالعبودية لله ميزانها الإسلام له، والإحسان في عبادته، واتباع رسله، إذ هو مالك كل شئ، والمحيط بكل شئ، ومن كان كذلك كان حريا أن يسلم له، وأن يحسن في عبادته، وأن يتبع رسله، وذلك من الحق والعدل.
فالحق والعدل في اتباع كتاب الله، وكذلك في عدم الدفاع عن المبطلين. وكما يكونان في ذلك. يكونان في المناجاة بالخير والإصلاح. وكما يكونان في هذا كله يكونان في ترك الشرك وطاعة الشيطان، وكذلك في الإسلام لله، والإحسان في عبادته، واتباع رسله، وذلك كله عبادة وتقوى.
فالمقطع يوضح جوانب من الحق والعدل، يفطن الناس لبعضها، ولا يفطنون لبعضها الآخر. وكل ذلك في إطار السياق الكلي لمحور سورة النساء الذي يعمق قضية العبادة