للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالمؤمنين دوائر السوء، بمعنى: أنهم ينتظرون زوال دولتهم، وظهور الكفرة عليهم، وذهاب ملتهم. ولكنهم لنفاقهم، إن رأوا نصرا، وتأييدا للمسلمين، يتوددون إليهم بالتظاهر بأنهم معهم. وإن كان للكافرين إدالة على المؤمنين، كما قد يقع في بعض الأحيان، يقولون للكافرين: لقد ساعدناكم في الباطن. وما ألونا المؤمنين خبالا، وتخذيلا حتى انتصرتم عليهم. يصانعون المؤمنين إن كانت لهم غلبة. ويصانعون الكافرين إن كانت لهم غلبة، ليحظوا عند الجميع، ويأمنوا الجميع. وما ذاك إلا لضعف إيمانهم وقلة يقينهم. ثم هددهم الله- عزّ وجل- بأن لا يغتروا بجريان الأحكام الشرعية عليهم ظاهرا في الحياة الدنيا؛ لما لله في ذلك من الحكمة. فيوم القيامة لا تنفع الظواهر. ويوم القيامة تظهر العزة كلها للمؤمنين. ولا يكون للكافرين على المؤمنين أدنى طريق. فلا يغتر من يغتر بما قد يكون للكافرين من غلبة على المؤمنين في الحياة الدنيا. ثم زادنا الله بصيرة في شأن المنافقين، وأنهم من جهلهم بالله، وقلة علمهم وعقلهم، يعتقدون أن أمرهم كما راج على الناس- حتى جرت عليهم أحكام الشريعة ظاهرا، فكذلك يكون حكمهم يوم القيامة. وأن أمرهم يروج عند الله. ولكن أنى يروج خداعهم على الله، وكيف يمر. فالله الحكم العدل، البصير، الخبير، يستدرجهم حتى في الدنيا- في طغيانهم، وضلالهم. ويخذلهم عن الحق، والوصول إليه فكذلك يوم القيامة هم مجزيون على كفرهم.

ثم بين الله- عزّ وجل- صفة أخرى من صفات المنافقين. وكيف أنهم إذا عملوا أشرف الأعمال وأفضلها وخيرها، وهي الصلاة، كان عملهم محاطا بالكسل.

فإذا قاموا إلى الصلاة، قاموا كسالى؛ لأنهم لا نية لهم فيها، ولا إيمان لهم بها، ولا خشية في شأنها ولا يعقلون معناها. ومن ثم يقومون إليها كسالى. وهذه صفة ظاهرهم في أدائها، وأما صفة بواطنهم الفاسدة، فهي أنهم لا إخلاص لهم فيها. وإنما يؤدونها مراءاة للناس، ومصانعة لهم. ثم هم في صلاتهم لا يخشعون ولا يدرون ما يقولون، بل هم في صلاتهم ساهون لاهون، وعما يراد بهم من الخير معرضون. ثم زادنا الله بصيرة في شأن المنافقين، فوصفهم بالحيرة، والتردد بين الإيمان، والكفر، والمؤمنين، والكافرين. فلا هم مع المؤمنين ظاهرا، وباطنا. ولا هم مع الكافرين ظاهرا، وباطنا. بل ظواهرهم مع المؤمنين، وخاصة عند ما تكون الغلبة للمؤمنين. وبواطنهم مع الكافرين. ومنهم من يعتريه الشك. فتارة يميل إلى هؤلاء، وتارة يميل إلى أولئك.

وذلك علامة من أراد الله إضلاله: أن لا تجد له طريقا واضحا. وبعد أن اتضحت

<<  <  ج: ص:  >  >>