فيما جاءهم به من الله، وإعراضهم عنه، وإقبالهم على جمع حطام الدنيا مما لا ضرورة بهم إليه. وإما بكفرهم به بعد علمهم بنبوته. فإنهم في مقابل هذه الاستهانة، يعاقبهم الله بالعذاب المهين في الآخرة. أما المؤمنون الذين آمنوا بالله، وبكل الرسل، فقد أعد الله لهم الجزاء الجزيل، والثواب الجليل، والعطاء الجميل على ما آمنوا بالله ورسله، ووعدهم المغفرة، والرحمة.
ولنلاحظ في هذا المقطع كيف أنه بدأ بالدعوة إلى تحقيق الإيمان وبين الكفر وجزاءه. وهدد المنافقين، وبين صفاتهم ثم بدأ يناقش نوعا من الكافرين. وهم الذين يكفرون ببعض الرسل دون بعض. وأول من ينطبق عليهم هذا الوصف هم اليهود والنصارى. ومن ثم يبدأ المقطع يناقش هؤلاء، ويسفه ما هم عليه كما سنرى إن شاء الله- والمهم هنا أن نلاحظ كيف أن هذين المقطعين اللذين هما في حكم المقطع الواحد، منصبان على قضية الإيمان التي محلها في التقوى ما عرفناه في أول سورة البقرة. فلنتذكر أن محور النساء هو تبيان ماهية التقوى. لكي يكون إدراكنا للسياق الجزئي، والعام، صحيحا.
ولنرجع إلى استعراض المعاني العامة:
سأل اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزل عليهم كتابا مكتوبا من السماء مباشرة. وإنما سألوه هذا على سبيل التعنت والكفر، لا رغبة بالآية من أجل الإيمان، لأن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وآياته ظاهرة واضحة. فبين الله لرسوله أن سؤالهم هذا من باب التعنت، لا من باب طلب الدليل. وأن هذه طبيعتهم المتوارثة. فها هم مع كل ما رأوا من الآيات مع موسى عليه السلام، طالبوه أن يريهم الله جهرة، فعوقبوا. وعبدوا العجل بعد كل البينات، فعوقبوا، وعفي عنهم. وأخذت عليهم مواثيق غليظة في أوضاع معجزة.
فنقضوا المواثيق، وكفروا بآيات الله، وقتلوا الأنبياء، ووصفوا أنفسهم بقسوة القلب وتغليفه، فرارا من الموعظة والطاعة. وادعوا أنهم قتلوا المسيح ابن مريم.
ورموا أمه الطاهرة بالزنا. هذه هي طبيعتهم الظالمة. فهل يستغرب موقفهم من رسالة محمد صلى الله عليه وسلم بعد هذه الطبيعة، وبسبب من ظلمهم هذا، وبسبب صدهم عن سبيل الله، وبسبب أكلهم الربا، وبسبب أكلهم أموال الناس بالباطل، شدد الله عليهم في الحياة الدنيا، وسيعاقب الكافرين منهم في الآخرة عقابا أليما. وحتى لا يظن ظان أنهم ليس فيهم إلا من هذا شأنه، استثنى الله من هذه الأوصاف، الراسخين في العلم منهم،