للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عذاب الآخرة وشقوة الدنيا- إلا بالتبليغ والأداء .. على ذات المنهج الذي بلغ به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدى .. فالرسالة هي الرسالة؛ والناس هم الناس .. وهناك ضلالات وأهواء وشبهات وشهوات .. وهناك قوى عاتية طاغية تقوم دون الناس ودون الدعوة، وتفتنهم كذلك عن دينهم بالتضليل وبالقوة .. الموقف هو الموقف؛ والعقبات هي العقبات، والناس هم الناس. ولا بد من بلاغ، ولا بد من أداء. بلاغ بالبيان. وبلاغ بالعمل حتى يكون المبلغون ترجمة حية واقعة مما يبلغون. وبلاغ بإزالة العقبات التي تعترض طريق الدعوة؛ وتفتن الناس بالباطل وبالقوة .. وإلا فلا بلاغ ولا أداء .. إنه الأمر المفروض الذي لا حيلة في النكوص عن حمله .. وإلا فهي التبعة الثقيلة. تبعة ضلال البشرية كلها، وشقوتها في هذه الدنيا، وعدم قيام حجة الله عليها في الآخرة، وحمل التبعة في هذا كله وعدم النجاة من النار ..

فمن ذا الذي يستهين بهذه التبعة؟ وهي تبعة تقصم الظهر وترعد الفرائص وتهز المفاصل؟!. إن الذي يقول: إنه «مسلم» إما أن يبلغ ويؤدي هكذا بقدر ما يستطيع. وإلا فلا نجاة له في دنيا ولا في أخرى (إلا أن يشاء الله) .. إنه حين يقول:

إنه «مسلم» ثم لا يبلغ ولا يؤدي .. كل ألوان البلاغ والأداء هذه، إنما يؤدي شهادة ضد الإسلام الذي يدعيه! بدلا من أداء شهادة له، تحقق فيه قوله تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً.

وتبدأ شهادته للإسلام، من أن يكون هو بذاته ببيته وعائلته، ثم بأسرته وعشيرته، صورة واقعية من الإسلام الذي يدعو إليه .. وتخطو شهادته الخطوة الثانية بقيامه بدعوة الأمة- بعد دعوة البيت والأسرة والعشيرة- إلى تحقيق الإسلام في حياتها كلها ..

الشخصية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية ... وتنتهي شهادته بالجهاد لإزالة العوائق التي تضل الناس وتفتنهم من أي لون كانت هذه العوائق .. فإذا استشهد في هذا فهو إذن «شهيد» أدى شهادته لدينه، ومضى إلى ربه .. وهذا وحده هو «الشهيد».

وفي نهاية المطاف نقف وقفة خاشعة أمام جلال الله وعظمته؛ ممثلة في علمه، وعدله، ورعايته، وفضله، ورحمته، وبره، بهذا الكائن الإنساني الذي يجحد ويطغى ..

نقف أمام عظمة العلم بهذا الكائن؛ وما أودعه من القوى والطاقات، وما ركب في كينونته من استعدادات الهدى والضلال. وما رتبه على هذا العلم حين لم يكله إلى عقله

<<  <  ج: ص:  >  >>