٢ - روى البخاري عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل» وزادت رواية في مسلم «من أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء».
٣ - استدل المعتزلة ومن تشبث بتفضيل الملائكة على البشر بقوله تعالى: لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ إذ قالوا: إن الارتقاء يكون من الأدنى إلى الأعلى فلما قال وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ. أي: كأنه قال:
ولا من أعلى منه قدرا، وأعظم منه خطرا. قال النسفي: والجواب أنا نسلم تفضيل الثاني على الأول، ولكن هذا لا يمس ما تنازعنا فيه، لأن الآية تدل على أن الملائكة المقربين بأجمعهم أفضل من عيسى، ونحن نسلم بأن جميع الملائكة المقربين أفضل من رسول واحد من البشر. إلى هذا ذهب بعض أهل السنة، ولأن المراد أن الملائكة مع ما لهم من القدرة الفائقة قدرة البشر والعلوم اللوحية وتجردهم عن التولد الازدواجي رأسا لا يستنكفون عن عبادته، فكيف بمن يتولد من آخر، ولا يقدر على ما يقدرون، ولا يعلم ما يعلمون، وهذا لأن شدة البطش، وسعة العلوم، وغرابة التكون، هي التي تورث الحمقى وهم الترفع عن العبودية. فالنصارى رأوا المسيح ولد من غير أب، وهو يبرئ الأكمه والأبرص، ويحيي الموتى، وينبئ بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم؛ فبرءوه من العبودية، فقيل لهم: هذه الأوصاف في الملائكة أتم منها في المسيح، ومع هذا لم يستنكفوا عن العبودية، فكيف المسيح!! والحاصل أن خواص البشر- وهم الأنبياء عليهم السلام أفضل من خواص الملائكة، وهم الرسل منهم كجبريل وميكائيل وملك الموت ونحوهم، وخواص الملائكة أفضل من عوام المؤمنين من البشر، وعوام المؤمنين من البشر أفضل من عوام الملائكة. ودليلنا على تفضيل البشر على الملك ابتداء، أنهم قهروا نوازع الهوى في ذات الله تعالى مع أنهم جبلوا عليها فضاهت الأنبياء عليهم السلام الملائكة عليهم السلام في العصمة، وتفضلوا عليهم في قهر البواعث النفسانية والدواعي الجسدية، فكانت طاعتهم أشق لكونها مع الصوارف، بخلاف طاعة الملائكة لأنهم جبلوا عليها، فكانت أزيد ثوابا بالحديث» أقول: والمراد بعوام المسلمين أي: ما سوى الرسل من الصديقين والشهداء والصالحين وإلا فالملائكة بإجماع أفضل من فسقة المسلمين وجهلتهم.