وقد رأينا فيما ذكرناه نماذج وردت في السورة على قضايا الميثاق، وقطع ما أمر الله به أن يوصل، والإفساد في الأرض. ونلاحظ كذلك أن كلمة الفاسقين ترد في السورة كثيرا، وكذلك كلمة الخاسرين. مما يؤكد ما ذكرناه من أنّ محور سورة المائدة هو تلكما الآيتان من سورة البقرة.
إنه لمن الواضح أن هناك صلة بين سورة المائدة وبين قوله تعالى من سورة البقرة وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ* الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ.
إن سورة المائدة تفصّل فيما هو نقض للميثاق، وفيما هو قطع لما أمر الله به أن يوصل، وفيما هو إفساد في الأرض، فتدعونا لتركه وتطالبنا بما لو فعلناه لا نكون فاسقين ولا خاسرين، أي لا منافقين ولا كافرين، فهي تكمّل سورة النّساء، فإذا كانت سورة النساء قد فصّلت فيما هو من التقوى، فسورة المائدة تفصّل فيما ليس من التقوى لتعمّق عندنا قضية التقوى وتحققنا بها بتخليصنا من أضدادها.