للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما الصلة بين موضوع الميثاق الوارد في أول هذه الفقرة، وخطاب أهل الكتاب باتباع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟. والجواب- والله أعلم- أنّه لمّا كان من الميثاق الإيمان بالرسل ونصرتهم، فقد ذكّر الله- عزّ وجل- أهل ذلك بأن محمدا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأن عليهم أن يؤمنوا به وينصروه، ثمّ إن الخطاب بالإيمان قد جاء بعد تبيان عقوبة نقض الميثاق من قبل وكيف أن نقض الميثاق فيه ما فيه. فكيف بعد بعثة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الذي قامت به الحجة على الخلق بما لا مزيد عليه؟ فإن استحقاق العقوبة أبلغ.

ومن هذه الفقرة نفهم أنّ الوفاء بالميثاق لا يتمّ إلا بإقام الصّلاة، وإيتاء الزكاة، والإيمان بالرسل، ونصرتهم، والإنفاق في سبيل الله، فإذا ربطنا بين هذا المقطع وبين محور السورة في سورة البقرة علمنا أنّ الذي ينقض واحدة من هذه المعاني لا يهتدي بكتاب الله، لأن الله تعالى قال هناك: وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ* الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ ... فإذا أدركنا هذا عرفنا سرا آخر من أسرار الصلة بين خطاب أهل الكتاب والكلام عن الميثاق في أول هذه الفقرة، إذ بيّن في خطاب أهل الكتاب صفات الذين يستأهلون الاهتداء بكتاب الله قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ* يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ .. فارجع الآن وتأمل الآيتين اللتين قلنا إنهما محور سورة المائدة وهما قوله تعالى: يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ لتجد الرّبط الكامل ما بين أجزاء هذه الفقرة أولا، وبين هذه الفقرة والمقطع قبلها ثانيا، وما بين ذلك والسياق القرآني العام ثالثا، على النّسق الوارد في سورة البقرة بهذا الشكل المعجز، نسأل الله أن يلهمنا شكره وأن يدخلنا جنته.

وبعد الفقرة الأولى من هذا المقطع، تأتي الفقرة الثانية التي تعرض علينا موقفا من مواقف بني إسرائيل فما الصلة بينها وبين ما سبقها؟.

أمّا الصلة بينها وبين الفقرة الأولى فقد رأينا أن الإيمان بالرّسل ونصرتهم جزء من الميثاق، وهذه الفقرة تبيّن موقفا من مواقف بني إسرائيل مع موسى عليه السلام، وتقاعسهم عن النّصرة والقتال فيما هو مصلحتهم، وعقوبتهم على ذلك. وأمّا الصلة بين هذه الفقرة والمقطع السابق، فقد رأينا أن المقطع السابق ختم بالتذكير بنعمة الله، إذ كفّ أيدي من أراد الأذى بالمسلمين عن المسلمين. وطولب المسلمون على أثر ذلك بالتوكل على الله في السّلم والحرب وغير ذلك. وفي هذه الفقرة: يذكّر موسى عليه السلام

<<  <  ج: ص:  >  >>