الظلال: «إن المجتمع المسلم يوفر لأهل دار الإسلام- على اختلاف عقائدهم- ما يدفع خاطر السرقة عن كل نفس سوية .. إنه يوفر لهم ضمانات العيش والكفاية.
وضمانات التربية والتقويم. وضمانات العدالة في التوزيع. وفي الوقت ذاته يجعل كل ملكية فردية فيه تنبت من حلال؛ ويجعل الملكية الفردية وظيفة اجتماعية تنفع المجتمع ولا تؤذيه .. ومن أجل هذا كله يدفع خاطر السرقة عن كل نفس سوية .. فمن حقه إذن أن يشدد في عقوبة السرقة، والاعتداء على أمن الجماعة .. ومع تشديده فهو يدرأ الحد بالشبهة؛ ويوفر الضمانات كاملة للمتهم حتى لا يؤخذ بغير الدليل الثابت .. ولعله من المناسب أن نفصل شيئا في هذا الإجمال ..
إن النظام الإسلامي كل متكامل، فلا تفهم حكمة الجزئيات التشريعية فيه حق فهمها إلا أن ينظر في طبيعة النظام وأصوله ومبادئه وضماناته. وبالنسبة لموضوع السرقة، فإن الإسلام يبدأ بتقرير حق كل فرد في المجتمع المسلم في دار الإسلام، في الحياة. وحقه في كل الوسائل الضرورية لحفظ الحياة .. من حق كل فرد أن يأكل وأن يشرب وأن يلبس وأن يكون له بيت يكنه ويؤويه، ويجد فيه السكن والراحة .. من حق كل فرد على الجماعة- وعلى الدولة النائبة عن الجماعة- أن يحصل على هذه الضروريات .. أولا عن طريق العمل- ما دام قادرا على العمل- وعلى الجماعة- والدولة النائبة عن الجماعة- أن تعلّمه كيف يعمل، وأن تيسر له العمل وأداة العمل .. فإذا تعطل لعدم وجود العمل، أو أداته، أو لعدم قدرته على العمل، جزئيا أو كليا، وقتيا أو دائما. أو إذا كان كسبه من عمله لا يكفي لضرورياته. فله الحق في استكمال هذه الضروريات من عدة وجوه: أولا من النفقة التي تفرض له شرعا على القادرين في أسرته. وثانيا: على القادرين من أهل محلته. وثالثا: من بيت مال المسلمين من حقه المفروض له في الزكاة. فإذا لم تكف الزكاة، فرضت الدولة المسلمة المنفذة لشريعة الإسلام كلها في دار الإسلام، ما يحقق الكفاية للمحرومين في مال الواجدين؛ بحيث لا يتجاوز هذه الحدود، ولا تتوسع في غير ضرورة، ولا تجور على الملكية الفردية الناشئة من حلال.
والإسلام كذلك يتشدد في تحديد وسائل جمع المال؛ فلا تقوم الملكية الفردية فيه إلا من حلال .. ومن ثم لا تثير الملكية الفردية في المجتمع المسلم أحقاد الذين لا يملكون؛ ولا تثير أطماعهم في سلب ما في أيدي الآخرين .. وبخاصة أن النظام يكفل لهم