وبعد بيان هذه الحقيقة العامة نستطيع أن نأخذ في الحديث عن حد السرقة ..
السرقة: هي أخذ مال الغير، المحرز، خفية .. فلا بد أن يكون المأخوذ مالا مقوما .. والحد المتفق عليه قريبا بين فقهاء المسلمين للمال الذي يعد أخذه من حرزه خفية سرقة هو ما يعادل ربع دينار .. أي: حوالي خمسة وعشرين قرشا مصريا بنقدنا الحاضر .. ولا بد أن يكون هذا المال محرزا، وأن يأخذه السارق من حرزه، ويخرج به عنه .. فلا قطع مثلا على المؤتمن على مال إذا سرقه، والخادم المأذون له بدخول البيت لا يقطع فيما يسرق لأنه ليس محرزا منه. ولا على المستعير إذا جحد العارية. ولا على الثمار في الحقل حتى يؤويها الجرين. ولا على المال خارج البيت، أو الصندوق المعد لصيانته .. وهكذا .. ولا بد أن يكون هذا المال المحرز للغير .. فلا قطع حين يسرق الشريك من مال شريكه لأنّ له فيه شركة فليس خالصا للغير. والذي يسرق من بيت مال المسلمين لا يقطع لأن له نصيبا فيه فليس خالصا للغير كذلك .. والعقوبة في مثل هذه الحالات ليست هي القطع، وإنما هي التعزير .. (والتعزير عقوبة دون الحد، بالجلد أو بالحبس أو بالتوبيخ أو بالموعظة في بعض الحالات التي يناسبها هذا حسب رأي القاضي والظروف المحيطة). والقطع يكون لليد اليمنى إلى الرسغ. فإذا عاد كان القطع في الرجل اليسرى إلى الكعب. وهذا هو القدر المتفق عليه في القطع .. ثم تختلف بعد ذلك آراء الفقهاء عند الثالثة والرابعة.
والشبهة تدرأ الحد .. فشبهة الجوع والحاجة تدرأ الحد .. وشبهة الشركة في المال تدرأ الحد. ورجوع المعترف باعترافه- إذا لم يكن هناك شهود- شبهة تدرأ الحد. ونكول الشهود شبهة .. وهكذا.
ويختلف الفقهاء فيما يعدونه شبهة. فأبو حنيفة مثلا يدرأ الحد في سرقة ما هو مباح الأصل- حتى بعد إحرازه- كسرقة الماء بعد إحرازه، وسرقة الصيد بعد صيده، لأن كليهما مباح الأصل. وإباحة الأصل تورث شبهة في بقائه مباحا بعد إحرازه. والشركة العامة فيه تورث شبهة في بقاء الشركة بعد الإحراز .. بينما مالك والشافعي وأحمد لا يدرءون الحد في مثل هذه الحالة. ويدرأ أبو حنيفة الحد في سرقة كل ما يسارع إليه الفساد، كالطعام الرطب والبقول واللحم والخبز وما أشبه. ويخالفه أبو يوسف ويأخذ برأي الثلاثة.