ثم بيّن الله- عزّ وجل- حكمه فيمن ترك الحكم بما أنزل الله بأنه كافر. ثم ذكر الله- عزّ وجل- حكما من أحكام التوراة في هذا السياق وهو حكم قد أهملوه فذكر الحكم في هذا السياق فيه معنى التقريع أمّا الحكم فهو ما فرضه الله عليهم في التوراة من وجوب القصاص العادل، النفس بالنفس، والعين بالعين، والأنف بالأنف، والأذن بالأذن، والسنّ بالسنّ، والجروح قصاص، والدية جائزة، والعفو طيب، وهم يخالفون حكم الله ذلك عمدا وعنادا، وفي هذا السياق قرّر تعالى حكمه بأنّ من لم يحكم بما أنزل الله فإنه ظالم، لأنّ حكم الله وحده هو العدل، وما سواه ظلم، فمن خالف حكم الله فقد تعدّى وظلم، ثمّ جاء الكلام عن الإنجيل فبيّن تعالى أنّه أتبع على آثار أنبياء بني إسرائيل بعيسى ابن مريم، مؤمنا بالتوراة حاكما بما فيها، وأن الله قد آتاه الإنجيل، وأنّ في الإنجيل هدى إلى الحق، ونورا يستضاء به في إزالة الشبهات، وحل المشكلات، وأنّ الإنجيل موافق لما في التوراة، غير مخالف لما فيها إلا في القليل الذي فيه توسعة على بني إسرائيل، وأنّ الإنجيل فيه هدى يهتدى به، وأنّ فيه موعظة وزاجرا عن ارتكاب المحارم والمآثم لمن اتقى الله وخاف وعيده، هذا الإنجيل أنزله الله ليحكم به من خوطبوا به. ثم بيّن الله- عزّ وجل- أن من لم يحكم بما أنزل فهو الفاسق الخارج عن طاعة ربه، المائل إلى الباطل، التارك للحق. ثمّ بدأ الكلام عن القرآن النّاسخ لما تقدمه، والجامع لكل وحي أنزله الله فبيّن- عزّ وجل- أنه أنزل القرآن على رسوله صلّى الله عليه وسلّم بالحق والصدق الذي لا ريب فيه أنه من عند الله رب العالمين. وأنّ هذا القرآن يصدّق الكتب المتقدّمة في كونها من عند الله، وفي الأحكام والأخبار التي فيها، وفيما أخبرت به من البشارة برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكتابه الخاتم الناسخ، وأنّ هذا القرآن أمين على وحي الله الذي أنزله الله من قبل، فما وافقه منها فهو هو، وما خالفه باطل، وهو حاكم على كل كتاب قبله؛ فقد جعله الله- عزّ وجل- آخر الكتب وخاتمها وأشملها وأعظمها وأكملها؛ حيث جمع فيه محاسن ما قبله، وزاده من الكمالات ما ليس في غيره فلهذا جعله شاهدا وأمينا وحاكما عليها كلها، وتكفّل تعالى بحفظه بنفسه الكريمة.
وإذا كان القرآن كذلك فقد أمر الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يحكم بين الناس عربهم وعجمهم أميّهم وكتابيّهم- بما أنزل الله إليه فيه، وبما قرّره له من حكم من كان قبله من الأنبياء مما لم ينسخه شرعه، ونهاه أن يتبع آراءهم، أو أن ينصرف عن الحق الذي أمره الله به إلى أهواء الناس الذين هم جهلة وأشقياء إذا لم يهتدوا بكتاب الله. ثم أخبر الله- عزّ وجل- عن الأمم المختلفة الأديان باعتبار ما بعث الله به رسله الكرام من الشرائع المختلفة