للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انحراف عن جانب ولو صغير. وإنه لا عبرة بما تواضع عليه جيل، أو لما اصطلح عليه قبيل، مما لم يأذن به الله في قليل ولا كثير!

والله- سبحانه- يقول: إن المسألة- في هذا كله- مسألة إيمان أو كفر؛ وإسلام أو جاهلية؛ وشرع أو هوى. وإنه لا وسط في هذا الأمر ولا هدنة ولا صلح، فالمؤمنون هم الذين يحكمون بما أنزل الله- لا يخرمون منه حرفا ولا يبدّلون منه شيئا- والكافرون الظالمون الفاسقون هم الذين لا يحكمون بما أنزل الله. وأنه إما أن يكون الحكام قائمين على شريعة الله كاملة فهم في نطاق الإيمان. وإما أن يكونوا قائمين على شريعة أخرى- مما لم يأذن به الله- فهم الكافرون الظالمون الفاسقون. وأن الناس إما أن يقبلوا من الحكام والقضاة حكم الله وقضاءه في أمورهم فهم مؤمنون .. وإلا فما هم بالمؤمنين .. ولا وسط بين هذا الطريق وذاك؛ ولا حجة ولا معذرة ولا احتجاج

بمصلحة. فالله رب الناس يعلم ما يصلح للناس؛ ويضع شرائعه لتحقيق مصالح الناس الحقيقية. وليس أحسن من حكمه وشريعته حكم أو شريعة. وليس لأحد من عباده أن يقول: إنني أرفض شريعة الله، أو إنني أبصر بمصلحة الخلق من الله .. فإن قالها- بلسانه أو بفعله- فقد خرج من نطاق الإيمان ..

هذه هي القضية الخطيرة الكبيرة التي يعالجها هذا الدرس في نصوص تقريرية صريحة .. ذلك إلى جانب ما يصوره من حال اليهود في المدينة، ومناوراتهم مع المنافقين: مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ. وما يوجه به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمواجهة هذا الكيد الذي لم تكفّ عنه يهود، منذ أن قامت للإسلام دولة في المدينة .. والسياق القرآني في هذا الدرس يقرر أولا: توافي الديانات التي جاءت من عند الله كلها على تحتيم الحكم بما أنزل الله؛ وإقامة الحياة كلها على شريعة الله؛ وجعل هذا الأمر مفرق الطريق بين الإيمان والكفر؛ وبين الإسلام والجاهلية؛ وبين الشرع والهوى .. فالتوراة أنزلها الله فيها هدى ونور: يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ ..

وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللَّهِ .. وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ..

والإنجيل آتاه الله عيسى ابن مريم مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ. وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ .. والقرآن أنزله الله على رسوله بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ وقال له: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما

<<  <  ج: ص:  >  >>