للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا التصادم. وهو منهج قائم على العدل المطلق .. أولا .. لأن الله يعلم حق العلم بما يحقق العدل المطلق وكيف يتحقق .. وثانيا .. لأنه- سبحانه- رب الجميع؛ فهو الذي يملك أن يعدل بين الجميع؛ وأن يجئ منهجه وشرعه مبرّأ من الهوى والميل والضعف- كما أنه مبرّأ من الجهل؛ والقصور والغلو والتفريط- الأمر الذي لا يمكن أن يتوافر في أي منهج أو في أي شرع من صنع الإنسان، ذي الشهوات والميول، والضعف والهوى- فوق ما به من الجهل والقصور- سواء كان المشرّع فردا، أو طبقة، أو أمة، أو جيلا من أجيال البشر .. فلكل حالة من هذه الحالات أهواؤها وشهواتها وميولها ورغباتها؛ فوق أنّ لها جهلها وقصورها وعجزها عن الرؤية الكاملة لجوانب الأمر كله حتى في الحالة الواحدة في الجيل الواحد ..

وهو منهج متناسق مع ناموس الكون كله. لأن صاحبه هو صاحب هذا الكون كله. صانع الكون وصانع الإنسان. فإذا شرع للإنسان شرع له كعنصر كوني، له سيطرة على عناصر كونية مسخرة له بأمر خالقه، بشرط السير على هداه، وبشرط معرفة هذه العناصر والقوانين التي تحكمها .. ومن هنا يقع التناسق بين حركة الإنسان وحركة الكون الذي يعيش فيه، وتأخذ الشريعة التي تنظم حياته طابعا كونيا، ويتعامل بها لا مع نفسه فحسب، ولا مع بني جنسه فحسب! ولكن كذلك مع الأحياء والأشياء في هذا الكون العريض، الذي يعيش فيه، ولا يملك أن ينفذ منه، ولا بدّ له من التعامل معه وفق منهاج سليم قويم.

ثم إنه المنهج الوحيد الذي يتحرر فيه الإنسان من العبودية للإنسان .. ففي كل منهج- غير المنهج الإسلامي- يتعبد الناس الناس. ويعبد الناس الناس. وفي المنهج الإسلامي- وحده- يخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده بلا شريك ..

إن أخص خصائص الألوهية- كما أسلفنا- هي الحاكمية .. والذي يشرّع لمجموعة من الناس يأخذ فيهم مكان الألوهية ويستخدم خصائصها. فهم عبيده لا عبيد الله.

وهم في دينه لا في دين الله. والإسلام حين يجعل الشريعة لله وحده، يخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ويعلن تحرير الإنسان، بل يعلن «ميلاد الإنسان» ..

فالإنسان لا يولد، ولا يوجد، إلا حيث تتحرر رقبته من حكم إنسان مثله؛ وإلا حين يتساوى في هذا الشأن مع الناس جميعا أمام رب الناس ..

إن هذه القضية التي تعالجها نصوص هذا الدرس هي أخطر وأكبر قضايا العقيدة ..

<<  <  ج: ص:  >  >>