للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أسباب الضلال، معمّقا أسباب الهداية. فالصلة بين هذا القسم وبين ما مرّ من السورة واضحة جدا. ألا ترى أن القسم الأول في السورة قد وجد في آياته الأولى قوله تعالى غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وقوله تعالى قبل ذلك أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ ثم بعد ذلك قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ... وسيأتي في هذا القسم: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ

إنه بعد أن وضعت القواعد التوضيحية لكثير من الأمور في القسمين الأول والثاني، يأتي القسم الثالث في مقطعيه ليدعو وينذر ويربي في سياق الأمر بالتبليغ.

٢ - ومع أنّ القسم الثالث بنى على القسمين الأول والثاني اللذين وضّحا الكثير ممّا له علاقة بالمحور فهو واضح الارتباط بالمحور كذلك ففيه: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ ومن تذكر آيتي المحور في سورة البقرة وضحت لديه الصلة.

٣ - لقد جاء في أواخر المقطع الأول من القسم الأول: قوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ وجاء في أوّل المقطع الثاني من القسم الأول وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وذكر هناك عقوبة نقضهم للميثاق فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وفي المقطع الأول من القسم الثالث وهو المقطع الذي مرّ معنا:

جاء قوله تعالى لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلًا ...

ثمّ بيّن موقفهم من الرّسل وبيّن أنهم في فعلهم هذا كانوا يظنون ألا يفتنهم الله وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وقد ختم المقطع بقوله تعالى فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ ... وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ وكل ذلك يؤكّد أن القسم الثالث مرتبط بالقسمين الأولين، وأنّ سياقه يكمّل سياقهما فبعد تقرير القواعد يأتي الأمر بالتبليغ وفي سياق التبليغ يأتي تفصيل لكثير من الأمور التي مرّت من قبل وسيأتي مزيد بيان.

<<  <  ج: ص:  >  >>