للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القرآن كل علم، وبيّن لنا فيه كل شئ، ولكن علمنا يقصر عما بيّن لنا في القرآن» وقال الشافعي رضي الله عنه: جميع ما حكم به النبي صلّى الله عليه وسلّم فهو مما فهمه من القرآن» ويؤيد ذلك ما رواه الطبراني في الأوسط من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إني لا أحل إلا ما أحل الله تعالى في كتابه، ولا أحرم إلا ما حرم الله تعالى في كتابه» وقال المرسي: جمع القرآن علوم الأولين والآخرين، بحيث لم يحط بها علما حقيقة إلا المتكلم به، ثم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خلا ما استأثر به سبحانه، ثم ورث عنه معظم ذلك سادات الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وأعلامهم مثل الخلفاء الأربعة. ومثل ابن مسعود. وابن عباس رضي الله تعالى عنهما، حتى قال: لو ضاع لي عقال بعير لوجدته في كتاب الله تعالى، ثم ورث عنهم التابعون بإحسان، ثم تقاصرت الهمم. وفترت العزائم.

وتضاءل أهل العلم. وضعفوا عن حمل ما حمله الصحابة والتابعون من علومه، وسائر فنونه، فنوّعوا علومه، وقامت كل طائفة بفن من فنونه. وقال بعضهم: ما من شئ إلا يمكن استخراجه من القرآن، لمن فهّمه الله تعالى حتى إن البعض استنبط عمر النبي صلّى الله عليه وسلّم ثلاثا وستين سنة من قوله سبحانه في سورة المنافقين: وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها فإنها رأس ثلاث وستين سورة، وعقّبها- بالتغابن- ليظهر التغابن في فقده، غاية ما في الباب أن التوقيف على تفصيل ذلك سرا سرا وحكما حكما لم يثبت بصريح العبارة لكل أحد، وكم من سر وحكم نبهت عليهما إشارة ولم تبينهما العبارة، ومن زعم أن هناك أسرارا خارجة عن كتاب الله تلقاها الصوفية من ربهم بأي وجه كان، فقد أعظم الفرية، وجاء بالضلال ابن السبهلل بلا مرية.

وقول بعضهم: أخذتم علمكم ميتا عن ميت، ونحن أخذناه عن الحي الذي لا يموت، لا يدل على ذلك الزعم، لجواز أن يكون ذلك الأخذ من القرآن بواسطة فهم قدسي أعطاه الله تعالى لذلك الآخذ، ويؤيد هذا ما صح عن أبي جحيفة، قال: قلت لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه هل عندكم كتاب خصّكم به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال:

لا إلا كتاب الله تعالى، أو فهم أعطيه رجل مسلم. أو ما في هذه الصحيفة- وكانت متعلقة بقبضة سيفه- قال: قلت: وما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل. وفكاك الأسير.

ولا يقتل مسلم بكافر.

ويفهم منه- كما قال القسطلاني- جواز استخراج العالم من القرآن بفهمه ما لم يكن منقولا عن المفسرين إذا وافق أصول الشريعة، وما عند الصوفية- كله من هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>