للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السر، فقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، فبلغ ذلك النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ما بال أقوام يقول أحدهم كذا وكذا، لكني أصوم وأفطر، وأنام وأقوم، وآكل اللحم، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني». وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس، أن رجلا أتى النّبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله إني إذا أكلت اللحم انتشرت للنساء، وإنّي حرّمت عليّ اللحم، فنزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ. وكذا رواه الترمذي وقال: حسن غريب. وروى ابن جرير ... عن مجاهد قال: أراد رجال منهم عثمان بن مظعون وعبد الله بن عمرو أن يتبتّلوا ويخصوا أنفسهم ويلبسوا المسوح، فنزلت هذه الآية إلى قوله: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ. قال ابن جريج عن عكرمة: أنّ عثمان بن مظعون، وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود، والمقداد بن الأسود، وسالما مولى أبي حذيفة في أصحاب تبتّلوا، فجلسوا في البيوت، واعتزلوا النساء، ولبسوا المسوح، وحرّموا طيّبات الطعام واللباس إلا ما يأكل ويلبس أهل السياحة من بني إسرائيل، وهمّوا بالاختصاء، وأجمعوا لقيام الليل وصيام النهار، فنزلت هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ يقول: لا تسيروا بغير سنة المسلمين، يريد ما حرّموا من النّساء والطعام واللّباس، وما أجمعوا من قيام الليل وصيام النّهار، وما همّوا به من الاختصاء، فلمّا نزلت فيهم بعث إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال:

إن لأنفسكم حقا، وإن لأعينكم حقا، صوموا وأفطروا، وصلّوا وناموا، فليس منّا من ترك سنتنا: فقالوا: اللهم سلّمنا واتّبعنا ما أنزلت، وقد ذكر هذه القصة غير واحد من التابعين مرسلة ولها شاهد في الصحيحين من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه كما تقدم. وقال أسباط: عن السدي في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وذلك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جلس يوما فذكّر النّاس، ثمّ قام ولم يزدهم على التخويف، فقال ناس من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم كانوا عشرة منهم: على بن أبي طالب، وعثمان بن مظعون: ما حقنا إن لم نحدث عملا، فإنّ النصارى قد حرّموا على أنفسهم فنحن نحرّم، فحرّم بعضهم أن يأكل اللحم والودك وأن يأكل بنهار، وحرّم بعضهم النّوم، وحرّم بعضهم النّساء، فكان عثمان بن مظعون ممّن حرم النساء، وكان لا يدنو من أهله ولا تدنو منه، فأتت امرأته عائشة رضي الله عنها وكان يقال لها الحولاء، فقالت لها عائشة ومن

<<  <  ج: ص:  >  >>