الروعة فيها تبلغ فعلا حد البهر. حتى لا يملك القلب أن يتابعها إلا مبهورا مبدوها! إنها- في جملتها- تعرض «حقيقة الألوهية» .. تعرضها في مجال الكون والحياة، كما تعرضها في مجال النفس والضمير، وتعرضها في مجاهيل هذا الكون المشهود، كما تعرضها في مجاهيل ذلك الغيب المكنون .. وتعرضها في مشاهد النشأة الكونية، والنشأة الحياتية، والنشأة الإنسانية، كما تعرضها في مصارع الغابرين، واستخلاف المستخلفين .. وتعرضها في مشاهد الفطرة وهي تواجه الكون، وتواجه الأحداث، وتواجه النّعماء والضّراء كما تعرضها في مظاهر القدرة الإلهية والهيمنة في حياة البشر الظاهرة والمستكنة، وفي أحوالهم الواقعة والمتوقعة .. وأخيرا تعرضها في مشاهد القيامة، ومواقف الخلائق وهي موقوفة على ربها الخالق ..
إن موضوعها الذي تعالجه من مبدئها إلى منتهاها هو موضوع العقيدة، بكل مقوماتها وبكل مكوناتها. وهي تأخذ بمجامع النفس البشرية، وتطوّف بها في الوجود كله، وراء ينابيع العقيدة وموحياتها المستسرّة والظاهرة في هذا الوجود الكبير .. إنها تطوف بالنفس البشرية في ملكوت السموات والأرض، تلحظ فيها الظلمات والنّور، وترقب الشمس والقمر والنّجوم. وتسرح في الجنات المعروشات وغير المعروشات، والمياه الهاطلة عليها والجارية فيها؛ وتقف بها على مصارع الأمم الخالية. وآثارها البائدة والباقية. ثم تسبح بها في ظلمات البر والبحر، وأسرار الغيب والنفس، والحي يخرج من الميت، والميت يخرج من الحي، والحبة المستكنة في ظلمات الأرض، والنطفة المستكنة في ظلمات الرحم. ثم تموج بالجن والإنس، والطير والوحش، والأولين والآخرين، والموتى والأحياء، والحفظة على النفس بالليل والنهار ..
إنه الحشد الكوني الذي يزحم أقطار النفس، وأقطار الحس .. ثم إنها اللمسات المبدعة المحيية، التي تنتفض بعدها المشاهد والمعاني أحياء في الحس والخيال .. وإذا كل مكرور مألوف من المشاهد والمشاعر، جديد نابض، كأنما تتلقاه النفس أول مرة، وكأنما لم يطلع عليه من قبل ضمير إنسان!
وهي تشبه في سياقها المتدافع بهذه المشاهد والمواقف والموحيات والإيقاعات والصور والظلال مجرى النهر المتدافع بالأمواج المتلاحقة. ما تكاد الموجة تصل إلى قرارها حتى تبدو الموجة التالية ملاحقة لها، متشابكة معها؛ في المجرى المتصل المتدفق!
..... روى أبو بكر بن مردويه- بإسناده- عن أنس بن مالك قال: قال رسول