واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ وفي هذه الآيات الثلاث يعرض الله علينا موقفهم يوم القيامة إذ يسألون عن شركائهم، وكيف أنّهم يتبرءون من هؤلاء الشركاء وفي ذلك دعوة للتبرؤ من الشرك في الحياة الدنيا، والشرك الذي ينبغي أن يتبرأ منه الإنسان في الحياة الدنيا أوسع مدلولا مما يفهمه الكثيرون، وفي توضيح هذا الجانب يقول صاحب الظلال: «إن الشرك ألوان، والشركاء ألوان، والمشركين ألوان .. وليست الصورة الساذجة التي تتراءى للناس اليوم حين يسمعون كلمة الشرك وكلمة الشركاء وكلمة المشركين: من أن هناك ناسا كانوا يعبدون أصناما أو أحجارا، أو أشجارا، أو نجوما، أو نارا .. الخ .. هي الصورة الوحيدة للشّرك!
إن الشرك في صميمه هو الاعتراف لغير الله- سبحانه- بإحدى خصائص الألوهية .. سواء كانت هي الاعتقاد بتسيير إرادته للأحداث ومقادير الكائنات. أو كانت هي التقدم لغير الله بالشعائر التعبدية والنذور وما إليها. أو كانت هي تلقي الشرائع من غير الله لتنظيم أوضاع الحياة .. كلها ألوان من الشرك، يزاولها ألوان من المشركين، يتخذون ألوانا من الشركاء.
والقرآن الكريم يعبّر عن هذا كله بالشرك؛ ويعرض مشاهد من يوم القيامة تمثل هذه الألوان من الشرك والمشركين والشركاء؛ ولا يقتصر على لون منها، ولا يقصر وصف الشرك على واحد منها؛ ولا يفرق في المصير والجزاء بين ألوان المشركين في الدنيا وفي الآخرة سواء .. ولقد كان العرب يزاولون هذه الألوان من الشرك جميعا:
كانوا يعتقدون أن هناك كائنات من خلق الله، لها مشاركة- عن طريق الشفاعة الملزمة عند الله- في تسيير الأحداث والأقدار. كالملائكة. أو عن طريق قدرتها على الأذى- كالجن بذواتهم أو باستخدام الكهان والسحرة لهم- أو عن طريق هذه وتلك- كأرواح الآباء والأجداد- وكل أولئك كانوا يرمزون له بالأصنام التي تعمرها أرواح هذه الكائنات؛ ويستنطقها الكهان؛ فتحل لهم ما تحل، وتحرم عليهم ما تحرم .. وإنما الكهان في الحقيقة .. هم الشركاء!
وكانوا يزاولون الشرك في تقديم الشعائر لهذه الأصنام، وتقديم القربات لها والنذور- وفي الحقيقة للكهان- كما أن بعضهم- نقلا عن الفرس- كانوا يعتقدون في الكواكب ومشاركتها في تسيير الأحداث- عن طريق المشاركة لله- ويتقدمون لها كذلك بالشعائر (ومن هنا علاقة الحلقة المذكورة في هذه السورة من قصة إبراهيم عليه