الظلال على الآية الأخيرة بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ ... بقوله:
«بل تدعونه وحده؛ وتنسون شرككم كله! .. إن الهول يعرّي فطرتكم- حينئذ- فتتجه بطلب النجاة إلى الله وحده. وتنسى أنها أشركت به أحدا. بل تنسى هذا الشرك ذاته .. إن معرفتها بربها هي الحقيقة المستقرة فيها؛ فأما هذا الشرك فهو قشرة سطحية طارئة عليها، بفعل عوامل أخرى. قشرة سطحية في الركام الذي ران عليها. فإذا هزّها الهول تساقط هذا الركام، وتطايرت هذه القشرة، وتكشّفت الحقيقة الأصلية، وتحركت الفطرة حركتها الفطرية نحو بارئها، ترجوه أن يكشف عنها الهول الذي لا يد لها به، ولا حيلة لها فيه ..
هذا شأن الفطرة في مواجهة الهول، يواجه السياق القرآني به المشركين .. فأما شأن الله- سبحانه- فيقرره في ثنايا المواجهة. فهو يكشف ما يدعونه إليه- إن شاء- فمشيئته طليقة، لا يرد عليها قيد. فإذا شاء استجاب لهم فكشف عنهم ما يدعون كله أو بعضه؛ وإن شاء لم يستجب، وفق تقديره وحكمته وعلمه.
هذا هو موقف الفطرة من الشرك الذي تزاوله أحيانا، بسبب ما يطرأ عليها من الانحراف، نتيجة عوامل شتى، تغطي على نصاعة الحقيقة الكامنة فيها .. حقيقة اتجاهها إلى ربها ومعرفتها بوحدانيته .. فما هو موقفها من الإلحاد وإنكار وجود الله أصلا؟ نحن نشك شكا عميقا- كما قلنا من قبل- في أن أولئك الذين يمارسون الإلحاد في صورته هذه صادقون فيما يزعمون أنهم يعتقدونه. نحن نشك في أن هناك خلقا أنشأته يد الله، ثم يبلغ به الأمر حقيقة أن ينطمس فيه تماما طابع اليد التي أنشأته، وفي صميم كينونته هذا الطابع، مختلطا بتكوينه، متمثلا في كل خلية وفي كل ذرة. إنما هو التاريخ الطويل من العذاب البشع، ومن الصراع الوحشي مع الكنيسة، ومن الكبت والقمع، ومن إنكار الكنيسة للدوافع الفطرية للناس مع استغراقها هي في اللذائذ المنحرفة .. إلى آخر هذا التاريخ النكد الذي عاشته أوربا قرونا طويلة .. هو الذي دفع الأوربيين في هذه الموجة من الإلحاد في النهاية .. فرارا في التيه، من الغول الكريه. ذلك إلى استغلال اليهود لهذا الواقع التاريخي؛ ودفع النصارى بعيدا عن دينهم؛ ليسلس لهم قيادهم، ويسهل عليهم إشاعة الانحلال والشقاء فيهم، وليتيسر لهم استخدامهم- كالحمير- على حد تعبير «التلمود» و «برتوكولات حكماء صهيون» .. وما كان اليهود ليبلغوا من هذا كله شيئا إلا باستغلال ذلك التاريخ الأوربي النكد، لدفع الناس إلى الإلحاد هربا