وجد المفتري من المغفلين من يصدقه فلماذا لا يفتري؟!.
والله يقول الحق، ويعلم ماذا كان ولماذا كان. ويقص على عبيده- رحمة منه وفضلا- جانبا من أسرار سننه وقدره؛ ليأخذوا حذرهم ويتعظوا؛ وليدركوا كذلك ما وراء الواقع التاريخي من عوامل كامنة وأسباب ظاهرة؛ يفسرون بها هذا الواقع التاريخي تفسيرا كاملا صحيحا. ومن وراء هذه المعرفة يمكن أن يتوقعوا ما سيكون، واستنادا إلى سنة الله التي لا تتبدّل .. هذه السنة التي يكشف الله لهم عنها .. ».
«ولقد كان لهذه الأمم من الحضارة؛ وكان لها من التمكين في الأرض؛ وكان لها من الرخاء والمتاع؛ ما لا يقل- إن لم يزد في بعض نواحيه- عما تتمتع به اليوم أمم مستغرقة في السلطان والرخاء والمتاع؛ مخدوعة بما هي فيه؛ خادعة لغيرها ممن لا يعرفون سنة الله في الشدة والرخاء ..
هذه الأمم لا تدرك أن هناك سنة، ولا تشعر أن الله يستدرجها وفق هذه السنة.
والذين يدورون في فلكها يبهرهم اللألاء الخاطف، ويتعاظمهم الرخاء والسلطان، ويخدعهم إملاء الله لهذه الأمم، وهي لا تعبد الله أو لا تعرفه، وهي تتمرّد على سلطانه، وهي تدعي لأنفسها خصائص ألوهيته، وهي تعيث في الأرض فسادا، وهي تظلم الناس بعد اعتدائها على سلطان الله ..
ولقد كنت- في أثناء وجودي في الولايات المتحدة الأمريكية- أرى رأى العين مصداق قول الله سبحانه: فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ .. فإن المشهد الذي ترسمه هذه الآية .. مشهد تدفّق كل شئ من الخيرات والأرزاق بلا حساب! .. لا يكاد يتمثل في الأرض كلها كما يتمثل هناك! وكنت أرى غرور القوم بهذا الرخاء الذي هم فيه، وشعورهم بأنه وقف على «الرجل الأبيض» وطريقة تعاملهم مع الملونين في عجرفة مرذولة، وفي وحشية- كذلك بشعة! وفي صلف على أهل الأرض كلهم لا يصل إليه صلف النازية الذي شهر به اليهود في الأرض كلها، حتى صار علما على الصلف العنصري. بينما الأمريكي الأبيض يزاوله تجاه الملونين في صورة أشد وأقسى! وبخاصة إذا كان هؤلاء الملونون من المسلمين ..
كنت أرى هذا كله فأذكر هذه الآية، وأتوقع سنة الله، وأكاد أرى خطواتها وهي تدب إلى الغافلين. حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ*