عَمَلَهُمْ. أي: مثل ذلك التزيين الواضح البطلان، زينّا لكل أمة من أمم الكفار ما هم عليه من العمل ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ. أي: مصيرهم فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ. أي: فيخبرهم بما عملوا، ويجزيهم عليه.
قال الألوسي بمناسبة هذه الآية:
«واستدل بالآية على أن الطاعة إذا أدّت إلى معصية راجحة وجب تركها، فإن ما يؤدي إلى الشر شر، وهذا بخلاف الطاعة في موضع فيه معصية لا يمكن دفعها، وكثيرا ما يشتبهان، ولذا لم يحضر ابن سيرين جنازة اجتمع فيها الرجال والنساء، وخالفه الحسن قائلا: لو تركنا الطاعة لأجل المعصية لأسرع ذلك في ديننا» للفرق بينهما.
ونقل الشهاب عن المقدسي أن الصحيح عند فقهائنا أنه لا يترك ما يطلب لمقارنة بدعة، كترك إجابة دعوة لما فيها من الملاهي، وصلاة جنازة لنائحة فإن قدر على المنع منع، وإلا صبر، وهذا إذا لم يقتد به وإلا يقعد لأن فيه شين الدين. وما روي عن أبي حنيفة رضي الله عنه- أنه ابتلي به- كان قبل صيرورته إماما يقتدى به. ونقل عن أبي
منصور أنه قال: كيف نهانا الله تعالى عن سب من يستحق السب لئلا يسب من لا يستحقه، وقد أمرنا بقتالهم وإذا قاتلناهم قتلونا، وقتل المؤمن بغير حق منكر، وكذا أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بالتبليغ والتلاوة عليهم وإن كانوا يكذبونه. وأنه أجاب بأن سب الآلهة مباح غير مفروض، وقتالهم فرض، وكذا التبليغ وما كان مباحا ينهى عما يتولد منه ويحدث، وما كان فرضا لا ينهى عما يتولد منه. وعلى هذا يقع الفرق لأبي حنيفة رضي الله تعالى عنه فيمن قطع يد قاطع قصاصا فمات منه فإنه يضمن الدية لأن استيفاء حقه مباح فأخذ بالمتولد منه، والإمام إذا قطع يد السارق فمات لا يضمن لأنه فرض عليه فلم يؤخذ بالمتولد منه. ومن هنا لا تحمل الطاعة فيما تقدم على إطلاقها».
أقول: يفهم من كلام الألوسي وبعض الأقوال التي نقلها أن الطاعة إذ كانت مفروضة أو واجبة أو سنة أو مندوبة فإننا نفعلها ولا نبالي بما يترتب على ذلك، أما إذا كان أمر من الأمور مباحا ولو فعل ترتّب على ذلك مفسدة أو مصلحة فإنّه عندئذ يتردّد في هذا الأمر فإن وجدت المصلحة أقدم وهو مأجور، وإن وجدت المفسدة أحجم وهو مأجور، وإن كثيرا من الأمور تحتاج إلى موازنات كثيرة قبل الإقدام على شئ منها.