روابط هزيلة من وجوده الفردي المحدود. في أضيق الحدود. في الحدود التي تعيش فيها البهيمة. حدود الحس وما يدركه الحس من مظاهر هذا الوجود!
إن الصلة بالله، والصلة في الله، لتصل الفرد الفاني بالأزل القديم والأبد الخالد. ثم تصله بالكون الحادث والحياة الظاهرة .. ثم تصله بموكب الإيمان، والأمة الواحدة الضاربة في جذور الزمان، الموصولة على مدار الزمان .. فهو في ثراء من الوشائج وفي ثراء من الروابط. وفي ثراء من «الوجود» الزاخر الممتد اللاحب الذي لا يقف عند عمره الفردي المحدود.
ويجد الإنسان في قلبه هذا النور، فتتكشف له حقائق هذا الدين، ومنهجه في العمل والحركة، تكشفا عجيبا .. إنه مشهد رائع باهر هذا الذي يجده الإنسان في قلبه حين يجد هذا النور .. مشهد التناسق الشامل العجيب في طبيعة هذا الدين وحقائقه. ومشهد التكامل الجميل الدقيق في منهجه للعمل وطريقته. إن هذا الدين لا يعود مجموعة معتقدات وعبادات وشرائع وتوجيهات .. إنما يبدو «تصميما» واحدا متداخلا متراكبا متناسقا .. متعاشقا يبدو حيا يتجاوب مع الفطرة وتتجاوب معه في ألفة عميقة وفي صداقة وثيقة، وفي حب ودود!
ويجد الإنسان في قلبه هذا النور؛ فتتكشف له حقائق الوجود، وحقائق الحياة، وحقائق الناس، وحقائق الأحداث التي تجري في هذا الكون وتجري في عالم الناس ..
تتكشف له في مشهد كذلك رائع باهر .. مشهد السنّة الدقيقة التي تتوالى مقدماتها ونتائجها في نظام محكم ولكنه فطري ميسر .. ومشهد المشيئة القادرة من وراء السنّة الجارية تدفع بالسنة لتعمل وهي من ورائها محيطة طليقة .. ومشهد الناس والأحداث وهم في نطاق النواميس وهي في هذا النطاق أيضا.
ويجد الإنسان في قلبه هذا النور فيجد الوضوح في كل شأن وفي كل أمر وفي كل حدث يجد الوضوح في نفسه وفي نواياه وخواطره وخطته وحركته، ويجد الوضوح فيما يجري حوله سواء من سنة الله النافذة، أو من أعمال الناس ونواياهم وخططهم المستترة والظاهرة. ويجد تفسير الأحداث والتاريخ في نفسه وعقله وفي الواقع من حوله كأنه يقرأ من كتاب.
ويجد الإنسان في قلبه هذا النور، فيجد الوضاءة في خواطره ومشاعره وملامحه.