رأينا في مقدمة هذه السلسلة (الأساس في المنهج) مجموعة من الأمور لها صلة بالسلسلة كلها. ولا شك أن قسما مما ذكرنا هناك هو بمثابة مقدمة لهذا التفسير، غير أنا رأينا أن نقدم مقدمة خاصة لهذا التفسير ولو تكررت بعض المعاني لإبراز بعض خصائصه، ليدرك القارئ أن هذا التفسير- وإن كان في بعض جوانبه- لا يحوي جديدا إلا أنه في جوانب أخرى كان جديدا، وما ذلك إلا من فضل الله عزّ وجل.
إن الخاصية الأولى لهذا التفسير وقد تكون ميزته الرئيسية أنه قدم لأول مرة- فيما أعلم- نظرية جديدة في موضوع الوحدة القرآنية، وهو موضوع حاوله كثيرون وألفوا فيه الكتب ووصلوا فيه إلى أشياء كثيرة، ولكن أكثر ما اشتغلوا فيه، كان يدور إما حول مناسبة الآية في السورة الواحدة، أو مناسبة آخر السورة السابقة لبداية السورة اللاحقة، ولم يزيدوا على ذلك- فيما أعلم- هذا مع ملاحظة أن الموضوع الأول نادرا من استوعبه والتزم به في تفسير كامل للقرآن، وإذا التزم به فلم يكن ذلك على ضوء نظرية شاملة تحتوي مفاتيح الوحدة القرآنية.
ولقد من الله علي منذ الصغر أنني كنت كثير التفكير في أسرار الصلة بين الآيات والسور ووقع في قلبي منذ الصغر مفتاح للصلة بين سورة البقرة والسور السبع التي جاءت بعدها وهي بمجموعها تشكل القسم الأول من أقسام القرآن كما سنرى ذلك في حديث حسن.
فقد لاحظت مثلا أن الآيات الأولى في سورة البقرة مبدوءة بقوله تعالى: الم ومنتهية بقوله تعالي: وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وأن سورة آل عمران مبدوءة ب:
الم ومنتهية بقوله تعالى: لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ فقلت في نفسي هل سورة آل عمران تفصيل للآيات الأولى من سورة البقرة؟
ثم لاحظت أنه بعد مقدمة سورة البقرة يأتي قوله تعالى:
يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ وأن سورة النساء الآتية بعد سورة آل عمران مبدوءة بقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ ....