الأوهام والتصورات الأساسية عند اليهود والنصارى من كون الشرائع السابقة لا يجوز نسخها، ومن كون الجنة حكرا على هؤلاء مع انحرافهم عن الدين الحق! ومن كون أهل كل باطل لا يرون غيرهم على شئ!، ومن ادعاء الولد لله، ومن طلب سماع كلام الله واقتراح الآيات، ومن كون بقايا أهل الكتاب كلهم على هوى ورغبة في أن يحملوا الناس على أهوائهم. وفي الفقرة توجيهات لهذه الأمة تساعدها على تحمل عبء الصراع مع الكفر وأهله، وفيها موازين تعرف بها حقائق وكليات، ويتضح في هذه الفقرة تماما أن هذا المقطع وإن كان في سياقه العام يدعو بني إسرائيل للصلاح والإصلاح، ولكن الهدف الأول هو هذه الأمة، وإصلاحها، وتربيتها، وتعليمها، والارتقاء بها.
إن هذه الفقرة مبدوءة ب يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا وهو الخطاب الأول بهذه الصيغة في القرآن، فكأن ما قبله إنما كان من أجل وجود الشخصية المؤمنة، حتى إذا وجدت الشخصية المؤمنة من خلال كل المعاني السابقة أصبحت مؤهلة للخطاب الخاص بها.
ومن هنا فإننا نستنتج أن ما قبل هذا الخطاب ضروري في قضية الإيمان، فالإيمان العملي الكامل غير الإيمان النظري الذي لا يواجه به صاحبه كل شئ حوله بعقلية المؤمن.
ونتيجة لذلك فإننا نقول: إن هذه الفقرة من الأهمية في المكان الكبير على اعتبار أنها أول خطاب مباشر للمؤمنين بلفظ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فالمعاني الموجودة فيها والتوجيهات ذات أهمية خاصة:
ففيها وجهت الأمة المسلمة نحو الاحتراس الكامل من متابعة غيرها، أو الوقوع في أسر مصطلحاته، وفيها عرفت الأمة أن عدوها لا يريد بها خيرا، ولا يريد لها خيرا بل ينفس عليها أي خير يصيبها من ربها، وفيها وجهت الأمة نحو التسليم المطلق لله في أحكامه وشرائعه، ينسخ ما شاء ويثبت ما شاء؛ فهو ذو القدرة المطلقة والعلم المحيط، وفيها وجهت الأمة نحو الاحتراس من السير على طريق بني إسرائيل في تعنتهم وسؤال رسولهم ما لا ينبغي، وفيها وجهت الأمة نحو الحرص على الإيمان وعدم استبداله بالكفر، وفيها عرفت الأمة على الرغبة الملحة عند أهل الكتاب عامة من أجل صرف هذه الأمة عن دينها، وفيها وجهت الأمة نحو الصلاة والزكاة كمرتكزين رئيسيين للبقاء في هذا الدين، وفيها تمت الدلالة على الطريق للإيمان بالكتاب وهو تلاوته حق التلاوة.
إن كل قضية من القضايا التي تعرضت لها الفقرة ذات أهمية بالغة جدا. فأية غفلة عنها، أو جهل بها، أو انحراف عن الأخذ بها؛ يترتب عليه شر كبير وبلاء مستطير.