٤ - وبمناسبة قوله تعالى: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ قال ابن كثير: أي أنه جاء بالتيسير والسماحة كما ورد الحديث من طرق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «بعثت بالحنيفية السمحة». قال صلى الله عليه وسلم لأميريه معاذ وأبي موسى الأشعري لما بعثهما إلى اليمن:«بشرا ولا تنفرا، ويسّرا ولا تعسرا، وتطاوعا ولا تختلفا» وقال صاحبه: أبو برزة الأسلمي: «إني صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدت تيسيره»، وقد كانت الأمم الذين قبلنا في شرائعهم ضيق عليهم، فوسع الله على هذه الأمة أمورها وسهلها لهم، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«وإن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تقل أو تعمل». وقال:«رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه».
٥ - وبمناسبة قوله تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يذكر ابن كثير كلاما كثيرا ننقل منه ما يحقق الغرض، قال ابن كثير: وهذه صفة محمد صلى الله عليه وسلم في كتب الأنبياء، بشروا أممهم ببعثه، وأمروهم بمتابعته، ولم تزل صفاته موجودة في كتبهم، يعرفها علماؤهم وأحبارهم. كما قال الإمام أحمد .. عن أبي صخر العقيلي قال: حدثني رجل من الأعراب قال: جلبت جلوبة إلى المدينة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما فرغت من بيعتي قلت لألقين هذا الرجل فلأسمعن منه. قال: فتلقاني بين أبي بكر وعمر يمشون فتبعتهم في أقفائهم حتى أتوا على رجل من اليهود، ناشر التوراة يقرؤها، يعزي بها نفسه عن ابن له في الموت كأحسن الفتيان وأجمله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أنشدك بالذي أنزل التوراة، هل تجد في كتابك هذا صفتي ومخرجي؟». فقال برأسه هكذا، أي لا. فقال ابنه: أي والذي أنزل التوراة إنا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله فقال:
«أقيموا اليهودي عن أخيكم» ثم ولي كفنه والصلاة عليه. هذا حديث جيد قوي له شاهد في الصحيح عن أنس. وقال الحاكم صاحب المستدرك: عن هشام بن العاص الأموي قال: بعثت أنا ورجل آخر إلى هرقل صاحب الروم ندعوه إلى الإسلام، فخرجنا حتى قدمنا الغوطة- يعني غوطة دمشق- فنزلنا على جبلة بن الأيهم الغساني، فدخلنا عليه، فإذا هو على سرير له، فأرسل إلينا برسوله نكلمه، فقلنا: والله لا نكلم رسولا، وإنما بعثنا إلى الملك، فإذا أذن لنا كلمناه، وإلا لم نكلم الرسول. فرجع إليه الرسول فأخبره بذلك، قال: فأذن لنا فقال: تكلموا. فكلمة هشام بن العاص، ودعاه إلى