فأما هؤلاء فقد كانت تحول جاهليتهم الساذجة وجهالتهم العميقة- كما تحول أهواؤهم ومصالحهم الذاتية كذلك- دون رؤية الخارقة الهائلة في هذا الكتاب العجيب! ..
فأما أهل الجاهلية الحاضرة فيحول بينهم وبين هذا القرآن غرور «العلم البشري» الذي فتحه الله عليهم في عالم المادة. وغرور التنظيمات والتشكيلات المعقدة بتعقيد الحياة البشرية اليوم ونموها ونضجها من ناحية التنظيم والتشكيل. وهو أمر طبيعي مع امتداد الحياة وتراكم التجارب وتجدد الحاجات- وتعقدها كذلك- كما يحول بينهم وبين هذا القرآن كيد أربعة عشر قرنا من الحقد اليهودي، والصليبي، الذي لم يكف لحظة واحدة عن حرب هذا الدين وكتابه القويم وعن محاولة إلهاء أهله عنه وإبعادهم عن توجيهه المباشر بعد ما علم اليهود والصليبيون من تجاربهم الطويلة: أن لا طاقة لهم بأهل هذا الدين ما ظلوا عاكفين على هذا الكتاب عكوف الجيل الأول لا عكوف التغني بآياته وحياتهم كلها بعيدة عن توجيهاته، هو كيد مطرد مصر لئيم خبيث .. ثمرته النهائية هذه الأوضاع التي يعيش فيها الناس الذين يسمون اليوم بالمسلمين- وهذه المحاولات الأخرى في كل مكان، للتعفية على آثار هذا الدين ولتدارس قرآن غير قرآنه يرجع إليه في تنظيم الحياة كلها، ويرد إليه كل اختلاف وكل نزاع في التشريع والتقنين لهذه الحياة كما كان المسلمون يرجعون إلى كتاب الله في هذه الشئون!!!.
إنه هذا القرآن الذى يجهله أهله اليوم لأنهم لا يعرفونه إلا تراتيل وترانيم وتعاويذ وتهاويم بعد ما صرفتهم عنه قرون من الكيد اللئيم ومن الجهل المزري ومن التعالم المغرور ومن الفساد الشامل للفكر والقلب والواقع النكد الخبيث.
إنه هذا القرآن الذي كان الجاهليون القدامى يصرفون عنه الجماهير بطلب الخوارق المادية والذي يصرف عنه الجاهليون المحدثون الجماهير بالقرآن الجديد الذي يفترونه وبشتى وسائل الإعلام والتوجيه إنه هذا القرآن الذي يقول عنه العليم الخبير: هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. بصائر تكشف وتنير وهدى يرشد ويهدي ورحمة تغمر وتفيض لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ فهم الذين يجدون هذا كله في هذا القرآن الكريم».