أقول: وهذه الإشارات التي أشارت إليها السورة مما له صلة بالعهد المكي جعلت بعض العلماء يتجهون إلى أن بعض آيات السورة مكية وقد رد هذا الاتجاه صاحب الظلال مستدلا ومبرهنا فقال:
(وقد ذكر ابن إسحاق. عن عبد الله بن أبي نجيح. عن مجاهد. عن ابن عباس- وعنه كذلك من طريق آخر- حديثا طويلا عن تبييت قريش ومكرهم هذا، جاء في نهايته
قوله:« .. وأذن الله له عند ذلك بالخروج، وأنزل عليه- بعد قدومه المدينة- «الأنفال» يذكره نعمه عليه، وبلاءه عنده: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ، وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ.
وهذه الرواية عن ابن عباس. رضي الله عنهما. هي التي تتفق مع السياق القرآني قبل هذه الآيات وبعدها. من تذكير الله سبحانه لنبيه- صلى الله عليه وسلم- وللمؤمنين بما أسلف إليهم من فضله؛ في معرض تحريضهم على الجهاد في سبيل الله والاستجابة لما يدعوهم إليه منه، والثبات يوم الزحف .. إلى آخر ما تعالجه السورة من هذا الأمر كما سنبين ..
والقول بأن هذه الآيات مدنية كالسورة كلها هو الأولى ... )
وقد آن الأوان للبدء في عرض السورة:
تتألف سورة الأنفال من قسمين رئيسيين: القسم الأول: ويتألف من مقدمة السورة ومقطعين، القسم الثاني: ويتألف من مقطعين، وخاتمة للسورة، وتتألف مقدمة السورة من أربع آيات، ثم يأتي المقطع الأول فيعرض علينا صفحة من غزوة بدر، ويبدأ بقوله تعالى: كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وبعد أن يعرض علينا المقطع الأول صفحة من صفحات بدر، يأتي المقطع الثاني وفيه خمسة نداءات للمؤمنين كل منها بصيغة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا* ثم يأتي القسم الثاني: ويبدأ المقطع الأول منه بخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم- كما بدأ المقطع الأول في القسم الأول- وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ... وكما عرض علينا القسم الأول صفحة من صفحات بدر، وكما كان في القسم الأول كلام عن الغنائم، فإن المقطع الأول من القسم الثاني يحدثنا عن أفعال الكافرين برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بدر، وينتهي بالكلام عن بدر، ثم يأتي المقطع الثاني في القسم الثاني وهو يشبه المقطع الثاني في القسم الأول، إذ فيه مجموعة نداءات ولكنها في