في شئون القتال، وهي عدم الخيانة لله ورسوله، وعدم الخيانة لأسرار المسلمين ولكنا كنا تحدثنا أن النص القرآني يعطينا من خلال سياقه الجزئي مدلولا، ومن خلال سياقه العام مدلولا، ومن خلال ما تحتمله ألفاظه مدلولا، كل منهم يكمل الآخر ولا يناقضه، وهذا ما نجده في هذه الآيات، فإذا كان السياق يفهمنا ألا نفشي أسرار المسلمين العسكرية، فإن لفظ الأمانة أوسع من هذا، ومن ثم فإن غيره يدخل فيه، فكل سر ائتمنك عليه أخوك ما لم يكن في كتمانه إثم فهو أمانة، وما ائتمنك عليه الله من تكليف أمانة وعليك ألا تخون.
٢ - القول الأقوى في سبب نزول هاتين الآيتين أنهما نزلتا في أبي لبابة بن عبد المنذر هذا ما ذكره عبد الرزاق عن قتادة والزهري قالا: أنزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة لينزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستشاروه في ذلك فأشار عليهم بذلك، وأشار بيده إلى حلقه أي إنه الذبح. ثم فطن أبو لبابة ورأى أنه قد خان الله ورسوله، فحلف لا يذوق ذواقا حتى يموت أو يتوب الله عليه، وانطلق إلى مسجد المدينة فربط نفسه في سارية منه، فمكث كذلك تسعة أيام، حتى كان يخر مغشيا عليه من الجهد، حتى أنزل الله توبته على رسوله صلى الله عليه وسلم، فجاء الناس يبشرونه بتوبة الله عليه، وأرادوا أن يحلوه من السارية فحلف لا يحله منها إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فحله، فقال: يا رسول الله إني كنت نذرت أن أنخلع من مالي صدقة فقال:
«يجزيك الثلث أن تصدق به».
٣ - ومما يدل على أن الخيانة للأمانة يدخل فيها إفشاء أسرار المؤمنين، الحوار الوارد في الصحيحين في قصة حاطب بن أبي بلتعة، لما كتب إلى قريش يعلمها بقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم عام الفتح، فأطلع الله رسوله صلى الله عليه وسلم على ذلك، فبعث في إثر الكتاب، فاسترجعه، واستحضر حاطبا، فأقر بما صنع، وفيها: فقام عمر بن الخطاب فقال:
يا رسول الله ألا أضرب عنقه؛ فإنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين؟ فقال:«دعه فإنه قد شهد بدرا، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم».
قال ابن كثير: والصحيح أن الآية عامة وإن صح أنها وردت على سبب خاص، فالأخذ بعموم اللفظ لا بخصوص السبب عند الجماهير من العلماء.