الكثير، ناسين أن من توكل على الله كفاه. فكانت عاقبة الأمر أن الله عزّ وجل أعان المؤمنين بملائكته، يعذبون الكافرين ويستلون أرواحهم ليعجلوا بهم إلى النار؛ بسبب كفرهم وظلمهم، وصدهم عن سبيل الله.
وفي التذكير بهذا الجانب من غزوة بدر، بعد الأمر بالثبات وغيره من أجل أن يبين الله للمؤمنين أنهم ما أقاموا أمر الله فإن سنته في الانتصار بهم من الكافرين قائمة، لأن سنته خذلان الكافرين وتعذيبهم، فإذا أقام المؤمنون أمر الله فإنهم أداة هذا العذاب.
وليؤكد الله عزّ وجل هذه السنة، وليبين أنها سنته في كل العصور، ذكر بعد ذلك أن ما فعله بهؤلاء المشركين إنما هو كفعله في الأمم المكذبة قبلهم، فتلك سنته في المكذبين من آل فرعون ومن قبلهم من الأمم المكذبة بالرسل، الكافرين بآيات الله، أن يأخذهم الله بسبب ذنوبهم فيهلكهم، وهو الذي لا يغلبه غالب، ولا يفوته هارب، ثم يذكر الله عزّ وجل بسنة أخرى من سننه، وهو أنه تعالى من تمام عدله وقسطه في حكمه إنه لا يغير نعمة أنعمها على أحد إلا بسبب ذنب. كصنعه بآل فرعون وأمثالهم حين كذبوا بآياته أهلكهم بسبب ذنوبهم، وسلبهم تلك النعم التي أسداها إليهم، من جنات، وعيون، وزروع، وكنوز، ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين، وما ظلمهم الله في ذلك بل كانوا هم الظالمين. وبهذا استقر أن الكافرين ستصيبهم سنة الله بهم وهي العذاب، إما العذاب المباشر المستأصل من الله، وإما العذاب بأيدي المؤمنين، كما استقر أن على المؤمنين أن ينفذوا أمر الله، فيكونوا أهلا لأن ينتقم الله بهم من الكافرين. ثم إن السياق يفيدنا أن علينا ألا نكون كالكافرين في شئ لنستحق نصر الله. فالسياق بقدر ما فيه من رفع لمعنويات المؤمنين، فيه كذلك تحذير للمؤمنين أن يداخلهم شئ يستحقون به عذاب الله وزوال نعمه. فإذا ما استقرت آداب القتال في الأنفس، وحدث اطمئنان لوعود الله في شأن الكافرين في جو التحذير من مسببات الفشل. تأتي الآن مجموعة توجيهات مهمة في قضايا القتال. التوجيه الأول فيه إخبار أن شر ما دب على وجه الأرض الذين كفروا فهم لا يؤمنون، الذين من صفاتهم- والكافرون كلهم كذلك- أنهم كلما عاهدوا عهدا نقضوه، وكلما أكدوه بالأيمان نكثوه، وهم لا يخافون الله في شئ ارتكبوه من الآثام، فهؤلاء اضربهم ضربة ساحقة، تكون عبرة لمن وراءهم، تلقي بها الرعب في قلب كل كافر، فيحذر أي واحد من الناس أن ينكث عهدك إن عاهد. نفهم من هذا التوجيه جواز عقد معاهدات تقتضيها مصلحة المسلمين مع