قيض الله لهذا الإنسان ضرب العنق في إمارة ابن مسعود على الكوفة. وكان يقال له ابن النواحة ظهر عنه في زمان ابن مسعود أنه يشهد لمسيلمة بالرسالة، فأرسل إليه ابن مسعود فقال له: إنك الآن لست في رسالة وأمر به فضربت عنقه، لا رحمه الله ولعنه.
وقد استقر الحكم أن من قدم من دار الحرب إلى دار الإسلام في أداء رسالة، أو تجارة، أو طلب صلح، أو مهادنة، أو حمل جزية، أو نحو ذلك من الأسباب وطلب من الإمام أو نائبه أمانا، أعطي أمانا ما دام مترددا في دار الإسلام، وحتى يرجع إلى مأمنه ووطنه. ولكن قال العلماء: لا يجوز أن يمكن من الإقامة في دار الإسلام سنة، ويجوز أن يمكن من إقامة أربعة أشهر. وفيما بين ذلك، فيما زاد على أربعة أشهر ونقص عن السنة قولان عن الإمام الشافعي وغيره من العلماء رحمهم الله.
٩ - في قوله تعالى: فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ قال حذيفة (ما قوتل أهل هذه الآية بعد). وروي عن علي بن أبي طالب مثله. فالآية عامة وإن كان سبب نزولها مشركي قريش فهي عامة لهم ولغيرهم. وقد روى الوليد بن مسلم .. عن عبد الرحمن بن جبير ابن نفير أنه كان في عهد (أي وصية) أبي بكر رضي الله عنه إلى الناس حين وجههم إلى الشام قال: إنكم ستجدون قوما مجوفة رءوسهم، فاضربوا معاقد الشيطان منهم بالسيوف فو الله لأن أقتل رجلا منهم أحب إلى من أن أقتل سبعين من غيرهم، وذلك بأن الله
يقول فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ رواه ابن أبي حاتم. ولعلنا لو قرأنا الآية ندرك سر كلام حذيفة وعلي رضي الله عنهما. وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ إن الآية تنطبق على عصرنا، ولها تطبيقاتها في كل عصر. ألا ترى أنه في عصرنا قد كثر الطعن في الإسلام، ووجد للكفر أئمة في كل مكان، حتى انتقض كل شئ.
وفي تفسير قوله تعالى: وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ قال الألوسي:
وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ قدحوا فيه، بأن عابوه وقبحوا أحكامه علانية، وجعل ابن المنير طعن الذمي في ديننا بين أهل دينه إذا بلغنا كذلك، وعد هذا كثير ومنهم الفاضل المذكور نقضا للعهد، فالعطف من عطف الخاص على العام، وبه ينحل ما يقال: كان الظاهر أو طعنوا لأن كلا من الطعن وما قبله كاف في استحقاق القتل والقتال، وكون الواو بمعنى أو بعيد، وقيل: العطف للتفسير كما في قولك. استخف فلان بي وفعل معي كذا، على معنى وإن نكثوا أيمانهم بطعنهم في دينكم والأول أولى، ولا فرق بين توجيه