للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونقل عن الشافعي أن الصغار هو جريان أحكام المسلمين عليهم، وهي تؤخذ عند أبي حنيفة من أهل الكتاب مطلقا، ومن مشركي العجم والمجوس، لا من مشركي العرب؛ لأن كفرهم قد تغلظ لما أن النبي صلى الله عليه وسلم نشأ بين أظهرهم، وأرسل إليهم، وهو عليه الصلاة والسلام من أنفسهم، ونزل القرآن بلغتهم، وذلك من أقوى البواعث على إيمانهم، فلا يقبل منهم إلا السيف أو الإسلام؛ زيادة في العقوبة عليهم من اتباع الوارد في ذلك، فلا يرد أن أهل الكتاب قد تغلظ كفرهم أيضا، لأنهم عرفوا النبي صلى الله عليه وسلم معرفة تامة، ومع ذلك أنكروه وغيروا اسمه ونعته من الكتاب، وعند أبي يوسف لا تؤخذ من العرب كتابيا كان أو مشركا، وتؤخذ من العجمي كتابيا كان أو مشركا، وأخذها من المجوس إنما ثبت بالسنة، فقد صح أن عمر رضي الله عنه لم يأخذها حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر، وقال الشافعي: رضي الله عنه إنها تؤخذ من أهل الكتاب عربيا كان أو عجميا، ولا تؤخذ من أهل الأوثان لثبوتها في أهل الكتاب وفي المجوس بالخبر، فبقي من وراءهم على الأصل.

ولنا أنه يجوز استرقاقهم، وكل من يجوز استرقاقه يجوز ضرب الجزية عليه، إذا كان من أهل النصرة، لأن كل واحد منهما يشتمل على سلب النفس. أما الاسترقاق فظاهر لأن نفع الرقيق يعود إلينا جملة. وأما الجزية فلأن الكافر يؤديها من كسبه والحال أن نفقته في كسبه فكان أداء كسبه الذي هو سبب حياته إلى المسلمين راتبة في معنى أخذ النفس منه حكما، وذهب مالك، والأوزاعي إلى أنها تؤخذ من جميع الكفار ولا تؤخذ عندنا من امرأة ولا صبي ولا زمن ولا أعمى، وكذلك المفلوج والشيخ، وعن أبي يوسف أنها تؤخذ منه إذا كان له مال، ولا من فقير غير معتمل، خلافا للشافعي، ولا من مملوك ومكاتب ومدبر، ولا تؤخذ من الراهبين الذين لا يخالطون الناس كما ذكره بعض أصحابنا، وذكر محمد عن أبي حنيفة أنها تؤخذ منهم إذا كانوا يقدرون على العمل، وهو قول أبو يوسف.

ثم إنها على ضربين: جزية توضع بالتراضي والصلح فتقدر بحسب ما يقع عليه الاتفاق، كما صالح صلى الله عليه وسلم بني نجران على ألف ومائتي حلة، ولأن الموجب التراضي فلا يجوز التعدي إلى غير ما وقع عليه.

وجزية يبتدئ الإمام بوضعها إذا غلب على الكفار، وأقرهم على أملاكهم، فيضع

<<  <  ج: ص:  >  >>