للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أعمالهم وشكت قلوبهم في صحة الإسلام حتى أصبحوا في شكهم يتحيرون، يقدمون رجلا ويؤخرون أخرى، ثم دلل الله على كذبهم في استئذانهم وأنهم ما تخلفوا بسبب الإذن بل لأنهم من الأصل لا يريدون القتال والخروج أذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لم يأذن، بأنهم ما أظهروا أي علامة صدق للخروج فلم يستعدوا ويعدوا له أصلا، فلو كانوا صادقين لتأهبوا، ثم بين الله عزّ وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم أن عدم خروج أمثال هؤلاء فيه مصلحة للمسلمين لأنهم لو خرجوا مع المؤمنين لم يكن دورهم إلا دور المخلخل للصف، الباث فيه الفتنة، خاصة وأن بعضا من المؤمنين مطيعون لهم ومستحسنون لحديثهم وكلامهم، يستنصحونهم، لأنهم لا يعلمون حالهم، فيؤدي ذلك إلى وقوع شر بين المؤمنين وفساد كبير، ومن ثم فإن الله كره خروجهم مع المؤمنين فلم يوفقهم للخروج، بل قدر عليهم أن يتخلفوا؛ لعلمه بهم أنهم ظالمون، ولعلمه بهم أنهم لو خرجوا ما زادوا المسلمين إلا خبالا، ثم دلل الله تعالى على ما سيفعلونه لو خرجوا بما فعلوه قبل ذلك: من إعمالهم فكرهم! وإجالتهم آراءهم في كيد الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وخذلان الإسلام وإخماده مدة طويلة، حتى إذا أعز الله دينه دخلوا فيه نفاقا، وغاظهم كل موقف أعز الله به جنده.

وهكذا أجمل الله حال هؤلاء المستأذنين عن الجهاد يوم يكون نفير، حاكما عليهم بالنفاق بشكل عام، ثم بدأ يذكر أصناف هؤلاء المنافقين من خلال كلامهم الذي يعبر عن نفاقهم، فبدأ بالنموذج الأول من هؤلاء المنافقين المستأذنين الذين يستأذنون ويعتذرون بما ليس عذرا إذ يطلبون الإذن بحجة أنهم إذا خرجوا للجهاد ورأوا النساء لا يصبرون عنهن فيقعون في الحرام، فأي عذر هذا! عذر يقودهم إلى النار التي لا محيد لهم عنها ولا محيص ولا مهرب، وهكذا نجد أن النفير العام هو المحك الحقيقي للإيمان، وهو المظهر العملي للنفاق وأهله، وأن هذا النفاق يعبر عن نفسه بنماذج شتى، وقد رأيناه كيف عبر عن نفسه عند النموذج الأول بهذا النوع من الاستئذان السخيف والاعتذار السمج، وبعد أن تحددت صفات هذا النموذج وأعيانهم أعلم الله تبارك وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بعداوة هؤلاء له لأنه مهما أصابه من حسنة- أي فتح ونصر وظفر على الأعداء مما يسره ويسر أصحابه- ساءهم ذلك، وإذا كان العكس فرحوا بموقفهم الاحترازي من المتابعة والسير والغزو، ثم أرشد الله رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين إلى ما يقولونه لهؤلاء جوابا على عداوتهم التامة بالإعلان عن إيمانهم بقدر الله، ورضاهم عن الله فيما

<<  <  ج: ص:  >  >>