لقد رأينا مذهب الإمام مالك، أنه إذا لم يبلغ المجاهدون اثني عشر ألفا لا يفترض عليهم أن يقاتلوا من غير أحكام الله وبدلها ولكن إذا لم يفترض عليهم فإنه جائز لهم، فإذا ما رغب أفراد أن يقاتلوا الذين غيروا وبدلوا فإن لهم ذلك، ولا يحتاجون إلى إذن أحد في ذلك إلا إذا ترتب على ذلك أن تستضر جهات مسلمة غيرهم بسبب ذلك فعليهم أن يستأذنوها أو يعملوا على ألا يلحق غيرهم ضرر بسببهم، وهو موضوع يحتاج إلى فتوى أهلها وتحتاج الفتوى فيه إلى موازنات متعددة.
٢ - قال النسفي:(وقيل شيئان فعلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يؤمر بهما: إذنه للمنافقين، وأخذه الفدية من الأسارى فعاتبه الله، وفيه دليل على جواز الاجتهاد للأنبياء عليهم السلام لأنه عليه الصلاة والسلام إنما فعل ذلك بالاجتهاد وإنما عوتب- مع أن له ذلك- لتركه الأفضل، وهم يعاتبون على ترك الأفضل).
٣ - وفي قوله تعالى: وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ قال محمد بن إسحاق: كان الذين استأذنوا فيما بلغني من ذوي الشرف منهم عبد الله بن أبي بن سلول، والجد بن قيس، وكانوا أشرافا في قومهم فثبطهم الله لعلمه بهم إن يخرجوا معه فيفسدوا عليه جنده وكان في جنده قوم أهل محبة لهم وطاعة فيما يدعونهم إليه لشرفهم فيهم فقال: وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ.
٤ - إن من المجمع عليه ألا يكتب المصحف إلا برسم الصحابة له وذلك لأن هذا الرسم هو الذي يستوعب قراءات القرآن، وهو الذي حفظ به القرآن أول مرة، وهو الذي لا اختلاف عليه، وهو الذي منع الاختلاف أول مرة، وبإبقائه على ما هو عليه تبقى الأمة غير مختلفة فيه وهذا سبب وجود بعض الأحرف وبعض أنواع الرسم الذي يختلف عن إملائنا الحالي ومن ذلك ما ذكره النسفي في كلمة في النص السابق قال: وخط في المصحف ولا أوضعوا بزيادة الألف لأن الفتحة كانت تكتب ألفا قبل الخط العربي، والخط العربي اخترع قريبا من نزول القرآن، وقد بقي من تلك الألف أثر في الطباع فكتبوا صورة الهمزة ألفا وفتحها ألفا أخرى، ونحو (أولا أذبحنه).
٥ - وفي قوله تعالى عن المنافقين يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ قال الألوسي: أي يطلبون أن يفتنوكم بإيقاع الخلاف فيما بينكم وتهويل أمر العدو عليكم، وإلقاء الرعب في قلوبكم،
وهذا هو المروي عن الضحاك. وعن الحسن أن الفتنة بمعنى الشرك أي يريدون أن تكونوا مشركين.