للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

«والمشهور أن اللام- أي في قوله تعالى إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ- للملك عند الشافعية، وهو الذي يقتضيه مذهبهم حيث قالوا: لا بد من صرف الزكاة إلى جميع الأصناف إذا وجدت، ولا تصرف إلى صنف مثلا، ولا إلى أقل من ثلاثة من كل صنف، بل إلى ثلاثة أو أكثر إذا وجد ذلك، وعندنا يجوز للمالك أن يدفع الزكاة إلى كل واحد منهم وله أن يقتصر على صنف واحد لأن المراد بالآية بيان الأصناف التي يجوز الدفع إليهم لا تعيين الدفع لهم، ويدل له قوله تعالى: وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وإنه صلى الله عليه وسلم أتاه مال من الصدقة فجعله في صنف واحد وهو المؤلفة قلوبهم، ثم أتاه مال آخر فجعله في الغارمين، فدل ذلك على أنه يجوز الاقتصار على صنف واحد، ودليل جواز الاقتصار على شخص واحد منه أن الجمع المعرف بال مجاز عن الجنس، فلو حلف لا يتزوج النساء، ولا يشتري العبيد يحنث بالواحد، فالمعنى في الآية: أن جنس الصدقة لجنس الفقير، فيجوز الصرف إلى واحد لأن الاستغراق ليس بمستقيم إذ يصير المعنى: إن كل صدقة لكل فقير وهو ظاهر الفساد، وليس هناك معهود ليرتكب العهد، ولا يرد- خالعني على ما في يدي من الدراهم، ولا شئ في يدها- فإنه يلزمها ثلاثة، ولو حلف لا يكلمه الأيام أو الشهور فإنه يقع على العشرة عند الإمام، وعلى الأسبوع والسنة عند الإمامين، لأنه أمكن العهد فلا يحمل على الجنس. فالحاصل أن حمل الجمع على الجنس مجاز، وعلى العهد أو الاستغراق حقيقة، ولا مساغ للخلف إلا عند تعذر الأصل، وعلى هذا ينصف الموصى به لزيد والفقراء كالوصية لزيد وفقير.

وما ذهبنا إليه هو المروي عن عمر وابن عباس رضي الله عنهم، وبه قال سعيد بن جبير. وعطاء. وسفيان الثوري. وأحمد بن حنبل. ومالك عليهم الرحمة وذكر ابن المنير أن جده أبا العباس أحمد بن فارس كان يستنبط من تغاير الحرفين المذكورين دليلا على أن الغرض بيان المصرف واللام لذلك فيقول: متعلق الجار الواقع خبرا عن الصدقات محذوف فإما أن يكون التقدير إنما الصدقات مصروفة للفقراء كما يقول مالك ومن معه، أو مملوكة للفقراء كما يقول الشافعي، لكن الأول متعين لأنه تقدير يكتفى به في الحرفين جميعا ويصح تعلق اللام (وفي) معا فيصح أن يقال: هذا الشئ مصروف في كذا ولكذا، بخلاف تقدير مملوكة، فإنه إنما يلتئم مع اللام عند الانتهاء إلى (في) يحتاج إلى تقدير مصروفة ليلتئم بها، فتقديره من الأول عام التعلق شامل الصحة متعين أ. هـ. وبالجملة لا يخفى قوة منزع الأئمة الثلاثة في الأخذ.

<<  <  ج: ص:  >  >>