للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه» قال: ثم قال مرة أخرى فقال: «أما ترضى أن تكون مثل نبي الله؟ فو الذي نفسي بيده لو شئت أن تسير الجبال معي ذهبا وفضة لسارت» قال: والذي بعثك بالحق لئن دعوت الله فرزقني مالا لأعطين كل ذي حق حقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم ارزق ثعلبة مالا» قال: فاتخذ غنما، فنمت كما ينمو الدود، فضاقت عليه المدينة، فتنحى عنها، فنزل واديا، من أوديتها، حتى جعل يصلي الظهر والعصر في جماعة، ويترك ما سواهما. ثم نمت وكثرت، فتنحى حتى ترك الصلوات إلا الجمعة، وهي تنمو كما ينمو الدود، حتى ترك الجمعة، فطفق يتلقى الركبان يوم الجمعة، يسألهم عن الأخبار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما فعل ثعلبة؟» فقالوا: يا رسول الله، اتخذ غنما فضاقت عليه المدينة فأخبروه بأمره فقال: يا ويح ثعلبة، يا ويح ثعلبة، يا ويح ثعلبة وأنزل الله جل ثناؤه خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً الآية. قال:

ونزلت عليه فرائض الصدقة، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين على الصدقة، رجلا من جهينة، ورجلا من سليم، وكتب لهما كيف يأخذان الصدقة من المسلمين، وقال لهما: «مرا بثعلبة، وبفلان- رجل من بني سليم- فخذا صدقاتهما» فخرجا حتى أتيا ثعلبة، فسألاه الصدقة، وأقرءاه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما هذه إلا جزية، ما هذه إلا أخت الجزية، ما أدري ما هذا؟ انطلقا حتى تفرغا ثم عودا إلي، فانطلقا وسمع بهما السلمي فنظر إلى خيار أسنان إبله، فعزلها للصدقة، ثم استقبلهما بها، فلما رأوها قالا: ما يجب عليك هذا، وما نريد أن نأخذ هذا منك، فقال: بلى فخذوها فإن نفسي بذلك طيبة. وإنما هي لي فأخذاها منه، فلما فرغا من صدقاتهما رجعا حتى مرا بثعلبة فقال: أروني كتابكما، فنظر فيه فقال: ما هذه إلا أخت الجزية. انطلقا حتى أرى رأيي، فانطلقا حتى أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآهما قال: «يا ويح ثعلبة». قبل أن يكلمهما، ودعا للسلمي بالبركة، فأخبراه بالذي صنع ثعلبة، والذي صنع السلمي.

فأنزل الله عزّ وجل وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ الآية. قال وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أقارب ثعلبة، فسمع ذلك فخرج حتى أتاه فقال:

ويحك يا ثعلبة قد أنزل الله فيك كذا وكذا، فخرج ثعلبة حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله أن يقبل منه صدقته، فقال: «إن الله منعني أن أقبل منك صدقتك» فجعل يحثو على رأسه التراب، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا عملك، قد أمرتك فلم تطعني».

فلما أبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبل صدقته رجع إلى منزله، فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقبل منه شيئا. ثم أتى أبا بكر رضي الله عنه حين استخلف، فقال: قد علمت منزلتي

<<  <  ج: ص:  >  >>