للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأنصار بصاع من طعام، فقال بعض المنافقين: والله ما جاء عبد الرحمن بما جاء به إلا رياء، وقالوا إن الله ورسوله لغنيان عن هذا الصاع. وروى العوفي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الناس يوما، فنادى فيهم أن اجمعوا صدقاتكم، فجمع الناس صدقاتهم، ثم جاء رجل من آخرهم بصاع من تمر، فقال: يا رسول الله هذا صاع من تمر، بت ليلتي أجر بالجرير (أي الحبل) الماء حتى نلت صاعين من تمر، فأمسكت أحدهما، وأتيتك بالآخر، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينثره في الصدقات، فسخر منه رجال وقالوا: إن الله ورسوله لغنيان عن هذا، وما يصنعان بصاعك من شئ، ثم إن عبد الرحمن بن عوف قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هل بقي أحد من أهل الصدقات؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لم يبق أحد غيرك» فقال له عبد الرحمن بن عوف: فإن عندي مائة أوقية من ذهب في الصدقات: فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أمجنون أنت؟

قال: ليس بي جنون. قال: فعلت ما فعلت؟ قال: نعم؛ ما لي ثمانية آلاف. أما أربعة آلاف فأقرضها ربي، وأما أربعة آلاف فلي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بارك الله لك فيما أمسكت، وفيما أعطيت» ولمزه المنافقون فقالوا: والله ما أعطى عبد الرحمن عطيته إلا رياء، وهم كاذبون، إنما كان به متطوعا، فأنزل الله عزّ وجل عذره وعذر صاحبه المسكين الذين جاء بالصاع من التمر.

٣ - في قال تعالى في كتابه اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ نقول: إن من كمال رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمة أنه كان إذا وجد رخصة في موضوع سار بها، حتى ينزل نهي جازم، ولاحتمال الرخصة في قوله تعالى اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ... فإنه عليه الصلاة والسلام بقى يستغفر لأهل النفاق، ويصلي عليهم، حتى نزل الأمر الجازم بالمنع.

قال ابن كثير: (روى العوفي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لما نزلت هذه الآية أسمع ربي وقد رخص لي فيهم، فو الله لأستغفرن لهم أكثر من سبعين مرة، لعل الله يغفر لهم» فقال الله من شدة غضبه عليهم: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ الآية. وقال الشعبي: لما ثقل عبد الله بن أبي، انطلق ابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن أبي قد احتضر فأحب أن تشهده وتصلي عليه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «ما اسمك؟» قال: الحباب بن عبد الله، قال: «بل أنت عبد الله بن عبد الله، إن الحباب اسم شيطان» قال: فانطلق معه حتى شهده وألبسه قميصه وهو

<<  <  ج: ص:  >  >>