قال الحسن البصري: السَّائِحُونَ. الصائمون شهر رمضان. وقال أبو عمرو العبدي: السَّائِحُونَ الذين يديمون الصيام من المؤمنين. وقد ورد في حديث مرفوع نحو هذا وروى ابن جرير ... عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
السَّائِحُونَ هم الصائمون، وهذا مرسل جيد، وهذا أصح الأقوال وأشهرها.
وجاء ما يدل على أن السياحة الجهاد. وهو ما روى أبو داود في سننه من حديث أبي أمامة أن رجلا قال: يا رسول الله ائذن لي في السياحة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله». وروى ابن المبارك ... عن عمارة بن غزية أن السياحة ذكرت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أبدلنا الله بذلك الجهاد في سبيل الله والتكبير على كل شرف». وعن عكرمة أنه قال: هم طلبة العلم. قال عبد الرحمن ابن زيد بن أسلم: هم المهاجرون. رواهما ابن أبي حاتم. وليس المراد السياحة ما قد يفهمه بعض من يتعبد بمجرد السياحة في الأرض، والتفرد في شواهق الجبال والكهوف والبراري، فإن هذا ليس بمشروع إلا في أيام الفتن والزلازل في الدين، كما ثبت في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يوشك أن يكون خير مال الرجل غنم يتبع بها شعف الجبال، ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن» اه.
كلام ابن كثير
أقول: من أهم ما يلزم لإحكام أمر القتال معرفة الأرض، ولذلك فإن كثيرا من كتب فن الحرب تذكر موضوع التعرف على الأرض التي سيجري عليها القتال، على أنه ركن من أركان اتخاذ قرار القتال، وممن ذكر ذلك (صن تزو) أحد حكماء الصين الأقدمين في كتابه (فن الحرب) وهو كتاب لا زال يحتفظ بالكثير من الأهمية، لقد ذكر في هذا الكتاب: أن قرار الحرب يقتضي مجموعة أمور: ثقة بين الحكومة والشعب، وقيادة قادرة على إدارة المعركة المطلوبة، وروحا معنوية عالية عند الجند، وتعرفا على الأرض التي ستدور عليها المعارك، ومعرفة الطقس الذي ستكون فيه المعارك.
ولأهمية معرفة الأرض في القتال، ولأن الأصل في السياحة أن تكون سفرا وتعرفا على الأرض، فإنني لا أستبعد أن يكون المراد بالسياحة في الآية معناها الأصلي، وهو التعرف على الأرض لصالح المعركة، خاصة وأن النص قد جاء في سياق الأمر بالنفير والجهاد. وعندئذ يكون ما فسرت به السياحة فيما سوى ذلك إنما هو من باب المجاز، فالصائم مسافر نوع سفر إذ تجوب روحه في ملكوت الله، وطالب العلم سائح إن في رحلته الحسية أو المعنوية في سفره للتعرف على الحقيقة.