بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ* وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ* يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ إلى آخر الآيات. قال كعب: فو الله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد أن هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ أن لا أكون كذبته، فأهلك كما هلك الذين كذبوه، فإن الله تعالى قال للذين كذبوه حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد، فقال تعالى: سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ* يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ قال: وكنا أيها الثلاثة الذين خلفنا عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا، فبايعهم واستغفر لهم وأرجأ رسول الله أمرنا حتى قضى الله فيه، فلذلك قال الله عزّ وجل وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا وليس تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا الذي ذكر مما خلفنا بتخليفنا عن الغزو، وإنما هو عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه. قال ابن كثير: هذا حديث صحيح ثابت متفق على صحته، رواه صاحبا الصحيح البخاري ومسلم، فقد تضمن هذا الحديث تفسير هذه الآية الكريمة بأحسن الوجوه وأبسطها، وكذا روي عن غير واحد من السلف في تفسيرها، كما رواه الأعمش عن جابر بن عبد الله في
قوله تعالى وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا قال: هم كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، وكلهم من الأنصار، وكذا قال مجاهد والضحاك وقتادة والسدي وغير واحد وكلهم قال: مرارة بن ربيعة، وكذا في مسلم: ابن ربيعة في بعض نسخه، وفي بعضها مرارة بن الربيع، وفي رواية عن الضحاك: مرارة بن الربيع كما وقع في الصحيحين وهو الصواب، وقوله: فسموا رجلين شهدا بدرا قيل: إنه خطأ من الزهري، فإنه لا يعرف شهود واحد من هؤلاء الثلاثة بدرا، والله أعلم. ولما ذكر تعالى ما فرج به عن هؤلاء الثلاثة من الضيق والكرب من هجر المسلمين إياهم نحوا من خمسين ليلة بأيامها، وضاقت عليهم أنفسهم، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، أي مع سعتها، فسدت عليهم المسالك والمذاهب، فلا يهتدون ما يصنعون، فصبروا لأمر الله، واستكانوا لأمر الله، وثبتوا حتى فرج الله عنهم بسبب صدقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في تخلفهم، وأنه كان من غير عذر، فعوقبوا على ذلك هذه المدة، ثم تاب الله عليهم، فكان عاقبة صدقهم خيرا وتوبة عليهم.