الذي يحدد لهم طريقة تعاملهم مع الوجود كله. ويحدد لهم كذلك طريقة اتجاههم لتعلم أي علم، ولطلب أية معرفة .. لهذا السبب لم يجعل الله إدراك هذه العقيدة متوقفا على علم سابق. ولسبب آخر هو أن الله يريد أن يكون هذا التصور الذي تنشئه حقائق العقيدة هو قاعدة علم البشر ومعرفتهم- بما أنه هو قاعدة تصورهم وتفسيرهم للكون من حولهم، ولما يجري فيه ولما يجري فيهم- كي يقوم علمهم وتقوم معرفتهم على أساس من الحق المستيقن الذي ليس هنالك غيره حق مستيقن. ذلك أن كل ما يتلقاه الإنسان وكل ما يصل إليه- عن غير هذا المصدر- هو معرفة- «ظنية» ونتائج «محتملة» لا «قطعية» حتى ذلك «العلم التجريبي». فطريق العلم التجريبي هو القياس- لا الاستقراء والاستقصاء- فما يتسنى للبشر الاستقصاء والاستقراء في أية تجربة. هذا على فرض صحة جميع الملاحظات والاستنتاجات، والأحكام البشرية على الظواهر، إنما قصارى «العلم» أن يقوم بعدد من التجارب، ثم يقيس على نتائجها.
والعلم نفسه يسلم بأن النتائج الناشئة عن هذا القياس ظنية محتملة، لا يقينية قطعية (وذلك بالإضافة إلى أن كل تجربة على حدة، تقوم على ترجيح أحد «الاحتمالات» لا على القطع الحتمي) .. فلم يبق من علم مستيقن يمكن أن يحصل عليه البشر إلا العلم الذي يأتيهم من عند العليم الخبير، والذي يقصه من يقص الحق وهو خير الفاصلين.
وثانيا: بكونه مبرأ من الانقطاع والتمزق الملحوظين في الدراسات «العلمية» والتأملات «الفلسفية» والومضات «الفنية» جميعا. فهو لا يفرد كل جانب من جوانب (الكل) الجميل المتناسق بحديث مستقل كما تصنع أساليب الأداء البشرية. وإنما هو يعرض هذه الجوانب في سياق موصول؛ يرتبط فيه عالم الشهادة بعالم الغيب. وتتصل فيه حقائق الكون والحياة والإنسان بحقيقة الألوهية. وتتصل فيه الدنيا بالآخرة. وحياة الناس في الأرض بحياة الملأ الأعلى في أسلوب تتعذر مجاراته أو تقليده، لأن الأسلوب البشري عند ما يحاول تقليده في هذا الخاصية تبدو فيه الحقائق مختلطة مضطربة غامضة، غير واضحة ولا محددة ولا منسقة، كما تبدو في المنهج القرآني.
«وهذا الاتصال والارتباط في عرض جملة الحقائق في السياق القرآني الواحد قد يختلف فيه التركيز على أي منها بين موضع وموضع. ولكن هذا الترابط يبدو ودائما.
فعند ما يكون التركيز في موضع من السياق القرآني مثلا على تعريف الناس بربهم الحق، تتجلى هذه الحقيقة الكبيرة في آثار القدرة الإلهية الفاعلة في الكون والحياة والإنسان. في