التي أفردت لقصته، فكانت هذه السورة شرحا لما أجمل في تلك السورة، وبسطا له، ثم إن مطلعها شديد الارتباط بمطلع تلك، فإن قوله تعالى هنا: الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ نظير قوله سبحانه هناك: الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ بل بين مطلع هذه وختام تلك شدة ارتباط أيضا، حيث ختمت بنفي الشرك واتباع الوحي، وافتتحت هذه ببيان الوحي والتحذير من الشرك، وورد في فضلها ما ورد، فقد أخرج الدارمي وأبو داود في مراسيله. والبيهقي في شعب الإيمان، وغيرهم عن كعب قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اقرءوا هود يوم الجمعة»).
ومن تقديم صاحب الظلال لسورة هود ننقل هذه الفقرات:
(لقد نزلت السورة بجملتها بعد يونس. ونزلت يونس بعد الإسراء. وهذا يحدد معالم الفترة التي نزلت فيها؛ وهي من أحرج الفترات وأشقها كما قلنا في تاريخ الدعوة بمكة. فقد سبقها موت أبي طالب وخديجة، وجرأة المشركين على ما لم يكونوا ليجرءوا عليه في حياة أبي طالب).
(وبلغت الحرب المعلنة عليه وعلى دعوته أقسى وأقصى مداها؛ وتجمدت حركة الدعوة حتى ما يكاد يدخل في الإسلام أحد من مكة وما حولها .. وذلك قبيل أن يفتح الله على رسوله وعلى القلة المسلمة ببيعة العقبة الأولى ثم الثانية). أقول: ولذلك كان في السورة تسرية عنه عليه الصلاة والسلام.
(ويحتوي السياق ذلك القصص الطويل الذي يصدق ذلك الترغيب، والترهيب في حركة العقيدة على مدار التاريخ، من مصارع المكذبين ونجاة المؤمنين).
(ويحتوي بعض صور النفس البشرية في مواجهة الأحداث الجارية بالنعماء والبأساء، فيرفع للمكذبين المستعجلين بالعذاب، المتحدين للنذر في استهتار ... يرفع لهم صور أنفسهم وهم في مواجهة ما يستعجلون به حين يحل بهم. وفي الحسرات التي تصيب أنفسهم على تقلب الأحداث بهم، وفوت النعمة وإفلاتها من أيديهم، وفي البطر والغرور والانخداع بكشف الضر وفيض النعمة من جديد).
(ويحتوي شيئا من مشاهد القيامة، وصور المكذبين فيها، ومواجهتهم لربهم الذي كذبوا بوحيه وتولوا عن رسله وما يجدونه يومئذ من خزي لا ينصرهم منه أرباب ولا شفعاء).