٥ - وكما أن مقطع إبراهيم عليه السلام يخدم في سياقه ما مر من السورة، فإنه الأساس والمقدمة للمقطع اللاحق من السورة، وهو مقطع القبلة، إن القبلة التي هي مرتكز من مرتكزات العبادة لله ستتحدد في المقطع اللاحق، ولكن مقطع إبراهيم جاء بمثابة الترشيح للكلام في شأنها، وجاء بمثابة المقدمة لتقريرها أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ .. وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ .. وَأَرِنا مَناسِكَنا ....
وهكذا نرى أن مقطع إبراهيم عليه السلام في محله يخدم سياق الفاتحة، ومقدمة سورة البقرة، ومقطع التوحيد، ومقطع آدم، والمقطع اللاحق، فما صلته بالمقطع السابق عليه مباشرة مقطع بني إسرائيل؟
٦ - قلنا من قبل: إن الحوار مع بني إسرائيل لا زال مفتوحا، وإن ختم مقطع بني إسرائيل، ذلك لأنه لا زال لليهود. كلام يقولونه، متكئين عليه في رفض الإيمان بالإسلام، وفي مقطع إبراهيم يستكمل جزء من الحوار، إذ الإمامة في ذرية إبراهيم مشروطة، وقد أخل اليهود بالشرط فلا حجة لهم في أن تستمر الإمامة فيهم، ولذلك تنتقل الإمامة إلى أمة تقوم بحق الله، وذلك مقتضى دعوة إبراهيم وإسماعيل وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ ... وبعثة محمد صلى الله عليه وسلم مقتضى دعوة إبراهيم عليه السلام لأبناء إسماعيل وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ ... والمقطع يقرر أن دين إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب هو الإسلام، فإن يرغب بنو إسرائيل عن الإسلام فذلك سفه فيهم.
وكما أنه في مقطع بني إسرائيل أعطيت أمتنا دروسا، فكذلك في مقطع إبراهيم، وكما أن أمتنا قد علمت كيف ترد على الدعوات الباطلة في المقطع السابق فكذلك الحال هنا في هذا المقطع.
٧ - في مدخل الكلام عن بني إسرائيل رأينا أنه وجهت لبني إسرائيل أوامر ونواه، وأن المقطع جاء بعد ذلك بمثابة تعليل لتوجيه هذه الأوامر والنواهي، ورأينا أن الفصل الثاني من مقطع بني إسرائيل مرتبط بقوله تعالى في المدخل وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ وأن الحوار في الفقرتين الأخيرتين من الفصل الثاني انصب على هذه المعاني، وقلنا في هذه الكلمة إن مقطع إبراهيم عليه السلام يكمل الحوار في هذا الشأن، والآن نقول إن مقطع إبراهيم زيادة على تكملة الحوار فإنه يضع أساسا لنقطة تعرض لها مدخل مقطع بني