النص (وخذوا أخاكم وقوموا ارجعوا إلى الرجل والله القدير يعطيكم رحمة أمام الرجل حتى يطلق لكم أخاكم الآخر وبنيامين وأنا إذا عدمت الأولاد عدمتهم) فما معنى أن يقول: حتى يطلق لكم أخاكم الآخر وبنيامين. مع أن بنيامين على حسب هذه الرواية لم يبرح بعد. والإصحاحات هذه لا تذكر إلا رحلتين ثم الجلاء العام إلى مصر. فهذا النقل الذي نقلناه يدل على التحريف الواقع، وهو أن رحلة من الرحلات قد أغفلت.
وهي الرحلة الثانية التي أخذ فيها بنيامين. فبقى بسبب ذلك أحد إخوته في مصر
من أجله، وخلط موضوع الرحلة الثانية في موضوع الرحلة الأولى والثالثة، إذ الإصحاحات تذكر أنه بعد اكتشاف سرقة بنيامين مباشرة كشف يوسف نفسه، فليس بين الإعلان عن عبودية بنيامين وكلام يهوذا له، ثم كشفه لهم أنفسهم إلا دقائق فما الفائدة إذن من كل العملية التي عملها يوسف في وضع الصاع في رحل أخيه إذا كان الأمر كذلك؟ ثم لا نجد إطلاقا أي كلام عن شمعون الذي احتجزه يوسف في المرة الأولى على زعم رواية التوراة الحالية بعد العودة. كل هذا يدل على أن الزمن قد عمل في تحريف الرواية، وأن أقلام النساخ الكاذبة قد عملت عملها، والله عزّ وجل في القرآن قد صحح الخطأ وبين لنا الحقيقة. وهذا النص الذي نقلناه وحده كاف ليرينا نوعا من أنواع الإعجاز في هذا القرآن، ومن ثم فإننا لا نستطيع أن نأخذ من هذه الإصحاحات شيئا يعتد به، بل على العكس نقول إن هذه الإصحاحات فيها من النقص
والتحريف والإجمال ما أكمله القرآن وسدده وفصله، فمثلا تذكر الإصحاحات أنه بعد اكتشاف الصاع في رحل بنيامين (وحمل كل واحد على حماره ورجعوا إلى المدينة) فلا تذكر الجمال مع أن النص القرآني يقول أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ فهل من المعقول في رحلة كهذه أن يكون الحمار هو أداة الحمل، الظاهر أن الحمار لركوبهم ولا بد أن يكون معهم جمال، وفي الإصحاحات كما رأينا في النقل عن خطاب يهوذا ليوسف اقتراح من يهوذا أن يحل محل بنيامين في العبودية، والقرآن يذكر أن كبيرهم هو الذي بقي في مصر من أجل بنيامين، وكبيرهم هو رأوبين، مع أن التوراة تذكر أن الذي احتجز أول مرة هو شمعون، ومع أن المفسرين المسلمين يحتملون أن يكون المراد بكلمة كبيرهم، كبيرهم في الرأي، أو رئيسهم في رحلتهم، إلا أننا نؤثر ألا نجزم في هذا الموضوع برأي ونبقي النص القرآني على ظاهره. حتى إن ابن كثير يرفض رواية التوراة جملة في كون أم يوسف راحيل كانت ميتة عند ما ورد يعقوب عليه السلام إلى مصر، أخذا بظاهر النص القرآني وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ إلا أن مفسرين آخرين لا