وقال محمد بن إسحاق عن بعض أصحابه عن عطاء بن يسار قال: نزلت سورة النحل كلها بمكة، وهي مكية إلا ثلاث آيات من آخرها نزلت بالمدينة بعد أحد حيث قتل حمزة رضي الله عنه ومثّل به. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«لئن أظهرني الله عليهم لأمثلنّ بثلاثين رجلا منهم». فلما سمع المسلمون ذلك قالوا: والله لئن ظهرنا عليهم لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد قط فأنزل الله وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ إلى آخر السورة، وهذا مرسل وفيه رجل مبهم لم يسم، وقد روي هذا من وجه آخر متصل فقد روى الحافظ أبو بكر البزار ... عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقف على حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه حين استشهد، فنظر إلى منظر لم ينظر إلى منظر أوجع للقلب منه- أو قال لقلبه- فنظر إليه وقد مثل به فقال:
«رحمة الله عليك إن كنت- ما علمتك- إلا وصولا للرحم، فعولا للخيرات، والله لولا حزن من بعدك عليك لسرني أن أتركك حتى يحشرك الله من بطون السباع- أو كلمة نحوها- أما والله على ذلك، لأمثلن بسبعين كمثلتك» فنزل جبريل عليه السلام على محمد صلّى الله عليه وسلّم بهذه السورة وقرأ وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ إلى آخر الآية، فكفّر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- يعني عن يمينه- وأمسك عن ذلك. وإسناد هذا الحديث فيه ضعف لأن فيه صالحا هو ابن بشير المري- ضعيف عند الأئمة، وقال البخاري: هو منكر الحديث، وقال الشعبي وابن جريج: نزلت في قول المسلمين يوم أحد فيمن مثل بهم: لنمثلن بهم، فأنزل الله فيهم ذلك. وروى عبد الله بن الإمام أحمد في مسند أبيه ... عن أبي بن كعب قال: لما كان يوم أحد قتل من الأنصار ستون رجلا، ومن المهاجرين ستة، فقال أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لئن كان لنا يوم مثل هذا من المشركين لنربين (١). فلما كان يوم الفتح قال رجل: لا تعرف قريش بعد اليوم، فنادى منادي رسول الله: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد آمن الأسود والأبيض إلا فلانا وفلانا- ناسا سماهم- فأنزل الله تبارك وتعالى: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ إلى آخر السورة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«نصبر ولا نعاقب». وهذه الآية الكريمة لها أمثال في القرآن، فإنها مشتملة على مشروعية العدل والندب إلى الفضل، كما في قوله تعالى: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها ثم قال: فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ الآية (الشورى: ٤٠). وقال: وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ ثم قال: فَمَنْ