للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بيت المقدس، ولكن في بعضها أنه كان أول دخوله إليه. والظاهر أنه بعد رجوعه إليه، لأنه لما مر بهم في منازلهم جعل يسأل عنهم جبريل واحدا واحدا، وهو يخبره بهم، وهذا هو اللائق؛ لأنه كان أولا مطلوبا إلى الجناب العلوي ليفرض عليه وعلى أمته ما يشاء الله تعالى. ثم لما فرغ من الذي أريد به اجتمع هو وإخوانه من النبيين، ثم أظهر شرفه وفضله بتقديمه في الإمامة، وذلك عن إشارة جبريل عليه السلام له في ذلك. ثم خرج من بيت المقدس فركب البراق وعاد إلى مكة بغلس، والله سبحانه وتعالى أعلم، وأما عرض الآنية عليه من اللبن والعسل، أو اللبن والخمر، أو اللبن والماء، أو الجميع، فقد ورد أنه في بيت المقدس، وجاء أنه في السماء، ويحتمل أن يكون هاهنا وهاهنا لأنه كالضيافة للقادم والله أعلم. ثم اختلف الناس هل كان الإسراء ببدنه عليه السلام وروحه، أو بروحه فقط؟ على قولين، فالأكثرون من العلماء على أنه أسري ببدنه وروحه، يقظة لا مناما، ولا ينكرون أن يكون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأى قبل ذلك مناما ثم رآه بعده يقظة، لأنه كان عليه السلام لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، والدليل على هذا قوله تعالى سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ فالتشبيه إنما يكون عند الأمور العظام، فلو كان مناما لم يكن فيه كبير شئ، ولم يكن مستعظما، ولما بادرت كفار قريش إلى تكذيبه، ولما ارتدت جماعة ممن كان قد أسلم، وأيضا فإن العبد عبارة عن مجموع الروح والجسد وقد قال: أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا وقد قال تعالى: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ قال ابن عباس هي رؤيا عين أريها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. رواه البخاري، وقال تعالى ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (النجم: ١٧) والبصر من آلات الذات لا الروح، وأيضا فإنه حمل على البراق وهو دابة بيضاء براقة لها لمعان، وإنما يكون هذا للبدن لا للروح، لأنها لا تحتاج في حركاتها إلى مركب تركب عليه والله أعلم. وقال آخرون بل أسري برسول الله صلّى الله عليه وسلّم بروحه لا يجسده. قال محمد بن إسحاق بن يسار في السيرة: حدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس: أن معاوية ابن أبي سفيان كان إذا سئل عن مسرى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: كانت رؤيا من الله صادقة. وحدثني بعض آل أبي بكر أن عائشة كانت تقول: ما فقد جسد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولكن أسري بروحه. قال

ابن إسحاق فلم نكر ذلك من قولها لقول الحسن أن هذه الآية نزلت وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ. ولقول الله في الخبر عن إبراهيم إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى. قال ثم مضى على ذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>