ثم جاءت قصة أهل الكهف لتعطي نموذجا على من أحسن عملا، ولتقيم الدليل على أن الآخرة الباقية آتية. ثم جاءت الأوامر التي تأمر بلزوم أهل الآخرة، وعدم التطلّع إلى الجلوس مع غيرهم تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثم جاءت الآيتان الأخيرتان لتبين أن الذين ينجحون في الاختبار هم الذين اجتمع لهم الإيمان والعمل الصالح.
فالمقطع الذي مرّ معنا كله مترابط في خدمة الآيتين اللتين ختمت بهما مقدمة سورة الكهف.
فإذا تذكّرنا أن سورة الكهف محورها زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا .. فإننا نلاحظ أن قصة أهل الكهف، والآيات بعدها، تحرير للمسلم من الإخلاد لزينة الحياة الدنيا،
والركون إلى أهلها، فمن خلال الاقتداء بأهل الكهف، ومن خلال صبر النفس مع أهل الإيمان، ومن خلال النهي عن التطلع لمجالسة أهل الدنيا، والنهي عن طاعة الغافلين، والأمر بقول الحق، ومن خلال التذكير بجزاء المؤمنين والكافرين، يتحرر المؤمن من السقوط في حمأة تزيين الحياة الدنيا.
وإذا تذكرنا أن هذا كله في خدمة الأمر ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً فإننا نلاحظ أن القصة تخدم موضوع الدخول في الإسلام كله؛ إذ تقص علينا قصة النموذج الذي ترك كل شئ من أجل دين الله. ثم تأتي الأوامر بتلاوة القرآن، وبالكون مع أهل الإيمان وبإعلان الحق، كفر من كفر وآمن من آمن، وكلها تخدم موضوع الدخول في الإسلام كله، عدا عن كونها أجزاء من الإسلام يجب التزامها، لأن الله أمرنا بالدخول في الإسلام كله.
فإذا اتضح هذا، عرفنا كيف أن سورة الكهف لها سياقها الخاص المترابط والمرتبط بالسياق القرآني العام.
والآن فلنلاحظ ما يلي:
يرد الآن أمران كل منهما بصيغة وَاضْرِبْ* وكلا الأمرين فيه مثل مرتبط بموضوع الحياة الدنيا، ثم تأتي آيات لها علاقة في الموضوع نفسه؛ ومن ثم فإن ارتباط المقطع اللاحق بمحور سورة الكهف من البقرة واضح. وسنتعرض له فيما بعد. ونحب هنا أن نتحدث عن السياق الخاص لسورة الكهف:
أوصلت مقدمة سورة الكهف إلى: إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ