الدخول في الإسلام كافة هو تزيين الحياة الدنيا، وازدراء أهل الإيمان، وفي مقابل ذلك يقرر الله عزّ وجل أن المتقين فوق الكافرين في الآخرة، وأنه هو الذي يرزق من يشاء، كافرا أو مؤمنا بغير حساب. وقد جاءت سورة الكهف لتفصّل هذه المعاني: فحدّثتنا عن تزيين الحياة الدنيا، وحدّثتنا عن سخرية الكافرين بالإيمان وأهله وأنذرتهم ذلك.
والآن تأتي معنا قصة موسى والخضر عليهما السلام. وقصة ذي القرنين، وفي هاتين القصتين تفصيل لقوله تعالى: وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ* ففي قصة الخضر عليه السلام نموذج للزرق المعنوي بغير حساب.
وفي قصة ذي القرنين نموذج للرزق المادي والمعنوي بغير حساب. فكأن السورة في مقاطعها الأولى فصّلت قوله تعالى: زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وهي في مقطعيها القادمين تفصّل قوله تعالى: وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ.*
ثم تأتي الخاتمة وهي المقطع السادس لتفصّل التفصيل الأخير.
وكأن السورة تقول: يا أيها المنصرفون عن الدخول في الإسلام كله. ويا أيها المتّبعون لخطوات الشيطان، إن كنتم تريدون بذلك الرزق، فأنتم مخطئون؛ فالرزق كله الحسي والمعنوي من الله، ويا أيها الذين زينت لهم الحياة الدنيا، وسخروا من أولياء الله، إن الرزق كله من الله فأنتم مخطئون.
ولكن المقطعين وإن كانا في سياقهما العام يخدمان ما قدمنا، فإنهما في سياقهما الخاص يعطياننا معاني كثيرة، وتلك سنّة القرآن، إذ يعطينا معنى من خلال المعنى الحرفي، ومعنى من خلال الآية مع غيرها، ومعنى من خلال المقطع وحده، ومعنى من خلال المقطع ضمن سياق السورة.
...
في قصة موسى والخضر عليهما نجد قوله تعالى: فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً. وفي قصة ذي القرنين إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً. فهما نموذجان على رزق الله عبدا من عباده بغير حساب، ولكن في القصتين من التأديب والتوجيه والعبرة، وتفصيل قضايا حياتية، ما لا يحيط به إلا الله. وكل ما مرّ معنا، وما يمر، يخدم قضية الدخول في الإسلام