لقد اختلف اليهود والنصارى حول المسيح. قال اليهود عليهم اللعنة إنه ابن زنى وقالت النصارى إنه ابن الله وغير ذلك. فجاءت سورة مريم تحسم هذا الخلاف.
واختلف العرب واليهود والنصارى في دين إبراهيم. فجاءت السورة تحسم هذا الخلاف. وتحدثت السورة عن مجموعة من الرسل وعن عبوديتهم لله.
وعما خلفهم أقوامهم به من المخالفة. وعن كون الملائكة لا تنزل إلا بأمر الله.
وعن موقف الكافرين من اليوم الآخر. وعن ادّعائهم أن لله ولدا.
وختمت السورة بقوله تعالى: فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا* وَكَمْ أَهْلَكْنا ... فمحمد صلّى الله عليه وسلّم يبشر وينذر بهذا القرآن ككل رسول، والقرآن ككل كتاب أنزله الله، يحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه.
فسورة مريم نموذج على التبشير والإنذار، والحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه بغيا.
وعند ما تحدث الاختلافات فإن الله يهدي أهل الإيمان بواسطة الرسل، وفي ذلك رحمة لهم. ومن ثمّ يذكّر الله في سورة مريم برحمة الله للخلق بإرساله الرسل؛ فتجد السورة تقول:
ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا. وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ. وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ. وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى. وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ. وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ. فهؤلاء رسل مبشرون ومنذرون، وهؤلاء مؤمنون هداهم الله لما اختلف فيه من الحق بإذنه، وهدى الخلق بهم. وهؤلاء اختلف قومهم من بعدهم بغيا.
ومن ثم أرسل الله محمدا صلّى الله عليه وسلّم بالقرآن ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه.
هذا مظهر من مظاهر صلة سورة مريم- عليها السلام- بمحورها من سورة البقرة، ويمكن أن نعرض المسألة بشكل آخر: أصبح العرب كلهم كفارا. وهذا يقتضي أن يبعث فيهم رسول يبشر وينذر ومعه كتاب يحسم كل خلاف، كما فعل الله للبشرية يوم صارت كلها كفارا.
واختلف أهل الكتاب في الكتاب، وهذا يقتضي أن يبعث الله رسولا بكتاب يحسم الخلاف.